وعند هذا المقطع - وهم أمام العهد المنقوض ابتغاء النجاة من الخطر والأمان من الفزع - يقرر القرآن إحدى القيم الباقية التي يقررها في أوانها ؛ ويصحح التصور الذي يدعوهم إلى نقض العهد والفرار :
قل : لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ؛ وإذن لا تمتعون إلا قليلا . قل : من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ؛ ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا . .
إن قدر الله هو المسيطر على الأحداث والمصائر ، يدفعها في الطريق المرسوم ، وينتهي بها إلى النهاية المحتومة . والموت أو القتل قدر لا مفر من لقائه ، في موعده ، لا يستقدم لحظة ولا يستأخر . ولن ينفع الفرار في دفع القدر المحتوم عن فار . فإذا فروا فإنهم ملاقون حتفهم المكتوب ، في موعده القريب . وكل موعد في الدنيا قريب ، وكل متاع فيها قليل . ولا عاصم من الله ولا من يحول دون نفاذ مشيئته . سواء أراد بهم سوءا أم أراد بهم رحمة ، ولا مولى لهم ولا نصير ، من دون الله ، يحميهم ويمنعهم من قدر الله .
فالاستسلام الاستسلام . والطاعة الطاعة . والوفاء الوفاء بالعهد مع الله ، في السراء والضراء . ورجعالأمر إليه ، والتوكل الكامل عليه . ثم يفعل الله ما يشاء .
ولما كانوا لما عندهم من التقيد{[55254]} بالوهم ، والدوران مع الحس دأب البهم{[55255]} ، جديرين بأن يقولوا : بلى ينفعنا لأنا طالما رأينا من هرب فسلم ، ومن ثبت فاصطلم ، أمره بالجواب عن هذا بقوله : { قل } أي لهم منكراً عليهم : { من ذا الذي يعصمكم } أي يمنعكم { من الله } المحيط بكل شيء قدرة وعلماً قبل الفرار وفي حال الفرار وبعده { إن أراد بكم سوءاً } فأناخ بكم نقمه فيرد ذلك السوء عنكم { أو } يهينكم ويقبح{[55256]} جانبكم ويمتهنه بأن يصيبكم بسوء إن { أراد بكم رحمة } فأفادكم نعمه{[55257]} ، والرحمة النفع سماه بها لأنه أثرها ، قيسوا هذا المعنى على مقاييس عقولكم معتبرين له بما وجدتم من الشقين في جميع أعماركم ، هل احترزتم عن سوء إرادة فنفعكم الاحتراز ، {[55258]}أو اجتهد{[55259]} غيره في منعكم رحمة منه فتم له أمره أو أوقع الله بكم شيئاً من ذلك فقدر أحد مع بذل الجهد على كشفه بدون إذنه ؟ ويمكن أن تكون الآية من الاحتباك : ذكر السوء أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً ، وذكر الرحمة ثانياً دليلاً على حذف ضدها{[55260]} أولاً .
ولما كانوا أجمد الناس ، أشار سبحانه {[55261]}بكونهم لم يبادروهم{[55262]} بأنفسهم الجواب بما يدل على المتاب إلى جمودهم بالعطف{[55263]} على ما علم أن تقديره جواباً من كل ذي بصيرة : لا يعصمهم أحد من دونه من شيء من ذلك ، ولا يصيبهم بشيء منه ، فقال : { ولا يجدون } أي في وقت من الأوقات { لهم } ونبه على أنه لا شيء إلا وهو في قبضته سبحانه ، وأنه لا إحاطة لشيء غيره بشيء حتى ولا بالرتب التي دون رتبته{[55264]} بقوله ، مثبتاً الجار : { من دون الله } وعبر بالاسم العلم إشارة إلى إحاطته بكل وصف جميل ، فمن أين يكون لغيره الإلمام بشيء منها إلا بإذنه { ولياً } يواليهم فينفعهم{[55265]} بنوع نفع { ولا نصيراً * } ينصرهم من أمره فيرد ما أراده{[55266]} بهم من السوء عنهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.