نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

ولما كانوا لما عندهم من التقيد{[55254]} بالوهم ، والدوران مع الحس دأب البهم{[55255]} ، جديرين بأن يقولوا : بلى ينفعنا لأنا طالما رأينا من هرب فسلم ، ومن ثبت فاصطلم ، أمره بالجواب عن هذا بقوله : { قل } أي لهم منكراً عليهم : { من ذا الذي يعصمكم } أي يمنعكم { من الله } المحيط بكل شيء قدرة وعلماً قبل الفرار وفي حال الفرار وبعده { إن أراد بكم سوءاً } فأناخ بكم نقمه فيرد ذلك السوء عنكم { أو } يهينكم ويقبح{[55256]} جانبكم ويمتهنه بأن يصيبكم بسوء إن { أراد بكم رحمة } فأفادكم نعمه{[55257]} ، والرحمة النفع سماه بها لأنه أثرها ، قيسوا هذا المعنى على مقاييس عقولكم معتبرين له بما وجدتم من الشقين في جميع أعماركم ، هل احترزتم عن سوء إرادة فنفعكم الاحتراز ، {[55258]}أو اجتهد{[55259]} غيره في منعكم رحمة منه فتم له أمره أو أوقع الله بكم شيئاً من ذلك فقدر أحد مع بذل الجهد على كشفه بدون إذنه ؟ ويمكن أن تكون الآية من الاحتباك : ذكر السوء أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً ، وذكر الرحمة ثانياً دليلاً على حذف ضدها{[55260]} أولاً .

ولما كانوا أجمد الناس ، أشار سبحانه {[55261]}بكونهم لم يبادروهم{[55262]} بأنفسهم الجواب بما يدل على المتاب إلى جمودهم بالعطف{[55263]} على ما علم أن تقديره جواباً من كل ذي بصيرة : لا يعصمهم أحد من دونه من شيء من ذلك ، ولا يصيبهم بشيء منه ، فقال : { ولا يجدون } أي في وقت من الأوقات { لهم } ونبه على أنه لا شيء إلا وهو في قبضته سبحانه ، وأنه لا إحاطة لشيء غيره بشيء حتى ولا بالرتب التي دون رتبته{[55264]} بقوله ، مثبتاً الجار : { من دون الله } وعبر بالاسم العلم إشارة إلى إحاطته بكل وصف جميل ، فمن أين يكون لغيره الإلمام بشيء منها إلا بإذنه { ولياً } يواليهم فينفعهم{[55265]} بنوع نفع { ولا نصيراً * } ينصرهم من أمره فيرد ما أراده{[55266]} بهم من السوء عنهم .


[55254]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: التقييد.
[55255]:في الأصل: البهيم، وفي ظ وم ومد: البهائم.
[55256]:من م ومد، وفي الأصل وظ: يمينكم قبيح.
[55257]:زيد في ظ: فيرد ذلك السوء.
[55258]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فاجتهد.
[55259]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فاجتهد.
[55260]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: ضده.
[55261]:العبارة من هنا إلى "المتاب" ساقطة من م.
[55262]:من ظ ومد، وفي الأصل: لم يبادوهم.
[55263]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالعطب.
[55264]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: رتبه.
[55265]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وينفعهم.
[55266]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أراه.