في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

1

عندما تقع هذه الأحداث الهائلة كلها ، في كيان الكون ، وفي أحوال الأحياء والأشياء . عندئذ لا يبقى لدى النفوس شك في حقيقة ما عملت ، وما تزودت به لهذا اليوم ، وما حملت معها للعرض ، وما أحضرت للحساب :

( علمت نفس ما أحضرت ) . .

كل نفس تعلم ، في هذا اليوم الهائل ما معها وما لها وما عليها . . تعلم وهذا الهول يحيط بها ويغمرها . . تعلم وهي لا تملك أن تغير شيئا مما أحضرت ، ولا أن تزيد عليه ولا أن تنقص منه . . تعلم وقد انفصلت عن كل ما هو مألوف لها ، معهود في حياتها أو تصورها . وقد انقطعت عن عالمها وانقطع عنها عالمها . وقد تغير كل شيء وتبدل كل شيء ، ولم يبقى إلا وجه الله الكريم ، الذي لا يتحول ولا يتبدل . . فما أولى أن تتجه النفوس إلى وجه الله الكريم ، فتجده - سبحانه - عندما يتحول الكون كله ويتبدل !

وبهذا الإيقاع ينتهي المقطع الأول وقد امتلأ الحس وفاض بمشاهد اليوم الذي يتم فيه هذا الانقلاب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

{ عَلِمَتْ نَفْسٌ } أي : كل نفس ، لإتيانها في سياق الشرط .

{ مَا أَحْضَرَتْ } أي : ما حضر لديها من الأعمال [ التي قدمتها ] كما قال تعالى : { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } وهذه الأوصاف التي وصف الله بها يوم القيامة ، من الأوصاف التي تنزعج لها القلوب ، وتشتد من أجلها الكروب ، وترتعد الفرائص وتعم المخاوف ، وتحث أولي الألباب للاستعداد لذلك اليوم ، وتزجرهم عن كل ما يوجب اللوم ، ولهذا قال بعض السلف : من أراد أن ينظر ليوم القيامة كأنه رأي عين ، فليتدبر سورة { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

{ علمت } عند ذلك { نفس ما أحضرت } من خير أو شر ، وهذا جواب لقوله : { إذا الشمس كورت } وما بعدها .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

ولما كانت هذه الأشياء لهولها موجبة لاجتماع الهم وصرف الفكر عما يشغله من زينة أو لهو أو لعب أو سهو ، فكان موجباً للعلم بما يرجى نعيماً أو يوجب جحيماً ، وكان ذلك موجباً-{[71880]} لتشوف السامع إلى ما يكون ، قال تعالى كاشفاً تلك النعمة بالعامل في " إذا " وما عطف عليها : { علمت نفس } أي كل واحدة من النفوس ، فالتنكير فيه مثله في " ثمرة{[71881]} خير من جرادة " ودلالة هذا السياق المهول على ذلك يوجب اليقين فيه { ما } أي كل شيء { أحضرت * } أي-{[71882]} عملت{[71883]} وأوجدت ، فكان أهلاً للحضور ، وكان عمله لها سبباً لإحضار القدير إياه لها في ذلك اليوم محفوظاً لم يغب عنه منها ذرة من خيره وشره ، فلأجل{[71884]} ذلك كان لكل امرىء شأن يعنيه ، فإنه لا بد أن يكون في أعماله ما لا-{[71885]} يرضيه وما يستصغره عن حضرة العلي الكبير ، فمن اعتقد ذلك رغب في أن لا يحضر إلا ما يسره ، ورهب في إحضار ما يسوءه فيضره ، وجميع هذه الأشياء الاثني عشر المعدودة المذكورة في حيز " إذا " في الآخرة بعد النفخة الثانية على ما تقدم في الحاقة أنه الظاهر ، وأنه رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما ، لأن التهويل بعد القيام أنسب ، وأدخل في-{[71886]} الحكمة وأغرب .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما قال سبحانه

{ فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه }[ عبس : 33 - 34 ] الآيات إلى آخر السورة ، كان مظنة لاستفهام السائل عن الوقوع ومتى يكون ؟ فقال{[71887]} تعالى :

{ إذا الشمس كورت }[ التكوير : 1 ] ووقوع تكوير الشمس وانكدار النجوم وتسيير الجبال وتعطيل العشار كل ذلك متقدم على فرار المرء من أخيه وأمه وأبيه - إلى ما ذكر إلى آخر السورة لاتصال ما ذكر في مطلع سورة التكوير بقيام الساعة ، فيصح أن يكون أمارة للأول وعلماً عليه -{[71888]} انتهى .


[71880]:زيد من ظ و م.
[71881]:من ظ و م، وفي الأصل: عسره-كذا.
[71882]:زيد من ظ و م.
[71883]:من م، وفي الأصل و ظ: علمت.
[71884]:من م، وفي الأصل و ظ: فلكل.
[71885]:زيد من ظ و م.
[71886]:زيد من ظ و م.
[71887]:من م، وفي الأصل و ظ: قال.
[71888]:زيد من ظ و م.