في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

ثم يعلن على رؤوس الأشهاد ما أعد لهذا الناجي من النعيم ، الذي تبدو فيه هنا ألوان من النعيم الحسي ، تناسب حال المخاطبين إذ ذاك ، وهم حديثو عهد بجاهلية ، ولم يسر من آمن منهم شوطا طويلا في الإيمان ، ينطبع به حسه ، ويعرف به من النعيم ما هو أرق وأعلى من كل متاع :

( فهو في عيشة راضية . في جنة عالية . قطوفها دانية . كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) . .

وهذا اللون من النعيم ، مع هذا اللون من التكريم في الالتفات إلى أهله بالخطاب وقوله : ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) . . فوق أنه اللون الذي تبلغ إليه مدارك المخاطبين بالقرآن في أول العهد بالصلة بالله ، قبل أن تسمو المشاعر فترى في القرب من الله ما هو أعجب من كل متاع . . فوق هذا فإنه يلبي حاجات نفوس كثيرة على مدى الزمان . والنعيم ألوان غير هذا وألوان . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

ويقال لهم إكراما : { كُلُوا وَاشْرَبُوا } أي : من كل طعام لذيذ ، وشراب شهي ، { هَنِيئًا } أي : تاما كاملا من غير مكدر ولا منغص .

وذلك الجزاء حصل لكم { بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } من الأعمال الصالحة -وترك الأعمال السيئة{[1213]}-  من صلاة وصيام وصدقة وحج وإحسان إلى الخلق ، وذكر لله وإنابة إليه .

فالأعمال جعلها الله سببا لدخول الجنة ومادة لنعيمها وأصلا لسعادتها .


[1213]:- هكذا في المخطوطتين وقد جاءت جملة: (وترك الأعمال الشيئة) بين جملة (الأعمال الصالحة) وتفصيل تلك الأعمال فصار في الكلام نوع إيهام مما دفع إلى تأخير جملة: وترك. في الطبعات السابقة، وقد جعلت الكلام كما هو مع الإشارة إلى أنها جملة معترضة.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم} بما عملتم {في الأيام الخالية} في الدنيا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول لهم ربهم جل ثناؤه: كلوا -معشر من رضيت عنه، فأدخلته جنتي- من ثمارها، وطيب ما فيها من الأطعمة، واشربوا من أشْرِبتها، هَنِيئا لَكُمْ، لا تتأذون بما تأكلون، ولا بما تشربون، ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى غائط ولا بول.

"بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الخالِيَةِ": كلوا واشربوا هنيئا: جزاء من الله لكم، وثوابا بما أسلفتم، أو على ما أسلفتم: أي على ما قدّ متم في دنياكم لآخرتكم من العمل بطاعة الله.

"في الأيام الخالية" : في أيام الدنيا التي خلت فمضت.

عن قتادة، قال الله "كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنيئا بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالِيَة"؛ إن أيامكم هذه أيام خالية: هي أيام فانية، تؤدي إلى أيام باقية، فاعملوا في هذه الأيام، وقدّموا فيها خيرا إن استطعتم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية}: إنما جعلتم أيامكم الخالية سلفا في أيام الدنيا، وسلف الرجل لآخر، وهو أن يعطيه قرضا ليأخذ مثله وقت الحاجة إليه، أو يسلم الرجل رأس ماله في الأشياء التي يأمل منها الربح، فكأنه يماري نفسه بجعلها سلفا ورأس مال ليأخذ ربح ما باع في الآخرة، فذلك هو الإسلاف، أو يجعل عمله للآخرة رأس ماله وما رزق من الأموال، ينفقها في سبيل الله، ويجعل ذلك رأس ماله.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

يقال لهم ذلك؛ تفضلا عليهم، وامتنانا وإنعاما وإحسانا. وإلا فقد ثبت في الصحيح، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اعملوا وَسَدِّدوا وقَاربُوا واعلموا أن أحدا منكم لن يدخلَه عملُه الجنةَ". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا، إلا أن يَتَغَمَّدني الله برحمة منه وفضل"...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وإنما أفردت ضمائر الفريق الذي أوتي كتابه بيمينه فيما تقدم، ثم جاء الضمير ضمير جمع عند حكاية خطابهم، لأن هذه الضمائر السابقة حُكيت معها أفعال مما يتلبس بكل فرد من الفريق عند إتمام حسابه، وأما ضمير {كلوا واشربوا} فهو خطاب لجميع الفريق بعد حلولهم في الجنة، كما يدخل الضيوف إلى المأدبة فيُحيّي كل داخل منهم بكلام يخصه، فإذا استقروا، أقبل عليهم مضيِّفهم بعبارات الإِكرام.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ} التي انقضت بانقضاء الدنيا، فقد جاهدتم وتعبتم وصبرتم وأعطيتم لله من جهدكم الكثير مما تستحقون عليه الثواب العظيم. وإذا كان الحديث عن الأكل والشرب، فإن المسألة لا تقتصر عليهما، لأنّ السعادة الروحية التي يمنحهم الله إيّاها في رضوانه ولطفه ومحبته، لا يبلغها شيء مما يعرفه الناس من مشاعر السعادة، ولكن مناسبة الحديث عن الجنة يوحي بالحديث عن النعيم الحسي المتمثل بالأكل والشرب...

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

ولما كان كون الثمار بهذه الصفة دالاً على كثرة الري ، وكثرة الري دالة على{[68064]} المشرب{[68065]} ، وكانت من مفردات اللفظ عامة المعنى ، فكان قد أفرد الضمائر باعتبار لفظها تنصيصاً على كل فرد فرد جمع باعتبار المعنى إعلاماً باشتراك جميع أهلها في النعم حال الانفراد والاجتماع فقال : { كلوا واشربوا } أي{[68066]} مولى لهم ذلك إشارة إلى أن ذلك لا مانع منه وإلى أنهم يؤمرون به صريحاً دلالة على رضا صاحب الجنة لئلا{[68067]} يتنغص عليهم عيشهم بنوع من الأنواع الموهمة للخطر ، وحذف المفعول إيذاناً بالتعميم لئلا يظن أنه يستثني منها شيء فيكون سبب الفتنة كما وقع لآدم صلوات الله وسلامه عليه .

ولما كان المآكل والمشارب في هذه الدار تورث التخم والأمراض وفيها ما لا يلذ ، وكان ما وقع لأبينا آدم{[68068]} وأمنا حواء عليهما الصلاة والسلام على أكلة واحدة من وخامة العاقبة معروفاً ، قال مؤمناً من ذلك : { هنيئاً } أي أكلاً {[68069]}طيباً لذيذاً{[68070]} شهياً مع البعد عن كل أذى وسلامة العاقبة بكل اعتبار ولا فضلة هناك{[68071]} من بول ولا غائط ولا بصاق ولا مخاط ولا قرف {[68072]}ولا قذر{[68073]} ولا وهن ولا صداع ولا ثقل {[68074]}ولا شيء مؤذ{[68075]} .

ولما شوق إلى المسببات حملهم على أسبابها وحضهم على المسابقة في تحصيلها والمثابرة والمداومة{[68076]} على الاستكثار منها ؛ فقال زيادة في لذتهم بأن{[68077]} ذلك على وجه العوض لا امتنان عليهم في شيء منه لأحد من الخلق ، فإن أحب ما إلى الإنسان أن يأكل مما{[68078]} أفادته يمينه وحصله بعمله مع ما في ذلك من الشرف : { بما أسلفتم } أي أعطيتم من أنفسكم لآخرتكم طوعاً من الأعمال الصالحة وبما تركتم من الدنيا مما هو سافل بالنسبة إلى ما عوضتم عنه من أعمال القلب والبدن والمال { في الأيام } ولما كان سبحانه قد ضمن كل ما يشتغل به الإنسان من مصالح دنياه فهو واصل إليه لا محالة وإن فرغ أوقاته كلها لعبادة ربه قال : { الخالية * } أي الماضية في الدنيا{[68079]} التي انقضت وذهبت{[68080]} واسترحتم من تعبها والتي لا شاغل فيها عن العبادة . إما بترك الاشتغال بالمعاش للواصل إلى درجة التوكل ، وإما بالسعي على وجه الاقتصاد بقصد المساعدة للعباد في أمور هذه الدار والإفضال عليهم وأن لا يكون كلاًّ عليهم من غير اعتماد على السعي بل امتثالاً للأمر مع القناعة بالكفاف .


[68064]:- زيد من ظ وم.
[68065]:- من ظ وم، وفي الأصل: المشرور.
[68066]:- زيد من ظ وم.
[68067]:- زيد من ظ وم.
[68068]:- زيد من ظ وم.
[68069]:- من ظ وم، وفي الأصل: لذيذا طينا.
[68070]:- من ظ وم، وفي الأصل: هنا.
[68071]:- من ظ وم، وفي الأصل: هنا.
[68072]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68073]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68074]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68075]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68076]:- زيد من ظ وم.
[68077]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن.
[68078]:- من ظ وم، وفي الأصل: ما.
[68079]:- من ظ وم: وفي الأصل: دنياه.
[68080]:- زيد من ظ وم.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

يقال لهم : كلوا أكلا واشربوا شربًا بعيدًا عن كل أذى ، سالمين من كل مكروه ؛ بسبب ما قدَّمتم من الأعمال الصالحة في أيام الدنيا الماضية .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

قوله : { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } يقول الله ( جل وعلا ) لأهل السعادة والنجاة : كلوا من طيبات ما في الجنة واشربوا من أشربتها هانئين منعّمين لا يمسكم فيها أذى ولا اغتمام ولا تنغيص { بما أسفلتم في الأيام الخالية } أي بسبب ما قدمتم من صالح الأعمال في الدنيا{[4619]} .


[4619]:تفسير القرطبي جـ 19 ص 268 -270.