مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

قوله تعالى : { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } والمعنى يقال لهم ذلك وفيه مسائل :

المسألة الأولى : منهم من قال قوله : { كلوا } ليس بأمر إيجاب ولا ندب ، لأن الآخرة ليست دار تكليف ، ومنهم من قال : لا يبعد أن يكون ندبا ، إذا كان الغرض منه تعظيم ذلك الإنسان وإدخال السرور في قلبه .

المسألة الثانية : إنما جمع الخطاب في قوله : { كلوا } بعد قوله { فهو في عيشة } لقوله : { فأما من أوتى } ومن مضمن معنى الجمع .

المسألة الثالثة : قوله : { ما أسلفتم } أي قدمتم من أعمالكم الصالحة ، ومعنى الإسلاف في اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالإقراض . ومنه يقال : أسلف في كذا إذا قدم فيه ماله ، والمعنى بما عملتم من الأعمال الصالحة : والأيام الخالية ، المراد منها أيام الدنيا والخالية الماضية ، ومنه قوله : { وقد خلت القرون من قبلي } و { تلك أمة قد خلت } وقال الكلبي : { بما أسلفتم } يعني الصوم ، وذلك أنهم لما أمروا بالأكل والشرب ، دل ذلك على أنه لمن امتنع في الدنيا عنه بالصوم ، طاعة لله تعالى .

المسألة الرابعة : قوله : { بما أسلفتم } يدل على أنهم إنما استحقوا ذلك الثواب بسبب عملهم ، وذلك يدل على أن العمل موجب للثواب ، وأيضا لو كانت الطاعات فعلا لله تعالى لكان قد أعطى الإنسان ثوبا لا على فعل فعله الإنسان ، وذلك محال وجوابه معلوم .