( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) . .
وهذا الإضراب في التعبير يلفت النظر . فهو يبدو كأنه انقطاع عن الموضوع الأول . موضوع القسم بصاد وبالقرآن ذي الذكر . هذا القسم الذي لم يتم في ظاهر التعبير . لأن المقسم عليه لم يذكر واكتفى بالمقسم به ثم أخذ يتحدث بعده عن المشركين . وما هم فيه من استكبار ومن مشاقة . ولكن هذا الانقطاع عن القضية الأولى هو انقطاع ظاهري ، يزيد الاهتمام بالقضية التي تليه . لقد أقسم بصاد وبالقرآن ذي الذكر . فدل على أنه أمر عظيم ، يستحق أن يقسم به الله سبحانه . ثم عرض إلى جانب هذا استكبار المشركين ومشاقتهم في هذا القرآن . فهي قضية واحدة قبل حرف الإضراب( بل )وبعده . ولكن هذا الالتفات في الأسلوب يوجه النظر بشدة إلى المفارقة بين تعظيم الله - سبحانه - لهذا القرآن ، واستكبار المشركين عنه ومشاقتهم فيه . وهو أمر عظيم !
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{بل الذين كفروا} بالتوحيد من أهل مكة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزّةٍ وَشِقاقٍ": يقول تعالى ذكره: بل الذين كفروا بالله من مشركي قريش في حمية ومشاقة، وفراق لمحمد وعداوة، وما بهم أن لا يكونوا أهل علم بأنه ليس بساحر ولا كذّاب... قال ابن زيد، في قوله: "بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزّةٍ وَشِقاقٍ "قال: يعادون أمر الله ورسله وكتابه، ويشاقون، ذلك عزّة وشِقاق، فقلت له: الشقاق: الخلاف، فقال: نعم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{في عزة} في حمية واعتزاز، والحمية هي التي تحمل على الخلاف والمعصية...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
إخبار منه تعالى أن هؤلاء الكفار قد مكنهم وأعطاهم القوة ليقووا بها على الطاعات، فتقووا -بسوء اختيارهم- بها على المعاصي وعلى دفع الحق الذي أتاهم، وصاروا في شق غير شق رسولهم الذي من قبل ربهم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
التنكير في {عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} للدّلالة على شدّتهما وتفاقمهما.
قرئ: «في غرّة» أي: في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحقّ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
العزة هنا: المعازة والمغالبة...
العزة ههنا التعظيم وما يعقتده الإنسان في نفسه من الأحوال التي تمنعه من متابعة الغير لقوله تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم}.
الشقاق: هو إظهار المخالفة على جهة المساواة للمخالف، أو على جهة الفضيلة عليه، وهو مأخوذ من الشق، كأنه يرتفع عن أن يلزمه الانقياد له بل يجعل نفسه في شق وخصمه في شق، فيريد أن يكون في شقة نفسه ولا يجري عليه حكم خصمه، ومثله المعاداة وهو أن يكون أحدهما في عدوة والآخر في عدوة، وهي جانب الوادي.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
تكبر وامتناع من قبول الحق... والعزة عند العرب: الغلبة والقهر.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{بل الذين كفروا} ما كفر به من كفر لخلل وجده فيه {بل الذين كفروا} به
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{بل الذين كفروا} بما يظهرون من تكذيبه.
{في عزة} عسر وصعوبة ومغالبة بحمية الجاهلية مظروفون لها، فهي معمية لهم عن الحق لإحاطتها بهم، وأنثها إشارة إلى ضعفها، وبشارة بسرعة زوالها وانقلابها إلى ذل.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أقسم بصاد وبالقرآن ذي الذكر فدل على أنه أمر عظيم، يستحق أن يقسم به الله سبحانه. ثم عرض إلى جانب هذا استكبار المشركين ومشاقتهم في هذا القرآن، فهي قضية واحدة قبل حرف الإضراب (بل) وبعده. ولكن هذا الالتفات في الأسلوب يوجه النظر بشدة إلى المفارقة بين تعظيم الله -سبحانه- لهذا القرآن، واستكبار المشركين عنه ومشاقتهم فيه. وهو أمر عظيم!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{بل}... هذا إبطال لتوهمٍ ينشأ عن الكلام الذي قبله، إذّ دل وصف القرآن ب {ذِي الذِّكر} أن القرآن مذكِّرٌ سامعيه تذكيراً ناجعاً، فعقب بإزالة توهم مَن يتوهم أن عدم تذكّر الكفار ليس لضعفٍ في تذكير القرآن، ولكن لأنهم متعزّزون مُشاقُّون، فحرف {بل} في مثل هذا بمنزلة حرف الاستدراك، والمقصود منه تحقيق أنه ذُو ذكر، وإزالة الشبهة التي قَد تعرض في ذلك. ولك أن تجعل {بل} إضرابَ انتقال من الشروع في التنويه بالقرآن إلى بيان سبب إعراض المعرضين عنه؛ لأن في بيان ذلك السبب تحقيقاً للتنويه بالقرآن. العزة تَحوم إطلاقاتها في الكلام حول معاني المنعة والغلبة والتكبر فإن كان ذلك جارياً على أسباب واقعة فهي العزة الحقيقية، وإن كان عن غرور وإعجاب بالنفس فهي عزة مزوَّرة... وهي هنا عزة باطلة أيضاً لأنها إباء من الحق وإعجاب بالنفس...
(في) للظرفية المجازية مستعارة لقوة التلبس بالعزة، والمعنى: متلبسون بعزة على الحق...
نعرف أن (بل) حرف يفيد الإضراب عما قبله أو نفي ما قبله وإثبات ما بعده، فـ (بل) هنا تثبت أن الذين كفروا في عزَّة وشِقَاق، فما المنفي قبلها؟ قبلها قوله تعالى
{صۤ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} هذه معجزة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من الواجب أنْ يقتنعوا بها، وأنْ يؤمنوا بها لكنهم كفروا، فالمعنى: بل الذين كفروا ما صدَّقوه، بل هم في عِزَّة وشِقاق...
ومعنى: {فِي عِزَّةٍ..} أي: عِزَّة الإثم، وهي التعالي والاستكبار عن الحق، وهي عزة بلا رصيد.
قوله تعالى : " بل الذين كفروا في عزة " أي تكبر وامتناع من قبول الحق ، كما قال جل وعز : " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " [ البقرة : 206 ] والعزة عند العرب : الغلبة والقهر . يقال : من عز بز ، يعني من غلب سلب . ومنه : " وعزني في الخطاب " [ ص : 23 ] أراد غلبني . وقال جرير :
يَعُزُّ على الطريق بمنكبيه *** كما ابْتَرَكَ الخَلِيعُ على القِدَاحِ
أراد يغلب . " وشقاق " أي في إظهار خلاف ومباينة . وهو من الشق كأن هذا في شق وذلك في شق . وقد مضى في البقرة مستوفى .
{ بل الذين كفروا } بما يظهرون من تكذيبه { في عزة } أي عسر وصعوبة ومغالبة بحمية الجاهلية مظروفون لها ، فهي معمية لهم عن الحق لإحاطتها بهم ، وأنثها إشارة إلى ضعفها ، وبشارة بسرعة زوالها وانقلابها إلى ذل { وشقاق * } أي إعراض وامتناع واستكبار عن قبول الصدق من لساني الحال الذي أفصح به الوجود ، والقال الذي صرح به الذكر فهداهم إلى ما هو في فطرهم وجبلاتهم بأرشق عبارة وأوضح إشارة لو كانوا يعقلون ، فأعرضوا عن تدبره عناداً منهم لا اعتقاداً فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ، وتنكيرهما للتعظيم ، قال الرازي : حذف الجواب ليذهب فيه القلب كل مذهب ليكون أغزر وبحوره أزخر - انتهى .
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما ذكر تعالى حال الأمم السالفة مع أنبيائهم في العتو والتكذيب ، وأن ذلك أعقبهم الأخذ الوبيل والطويل ، كان هذا مظنة لتذكير حال مشركي العرب وبيان سوء مرتكبهم وأنهم قد سبقوا إلى ذلك الارتكاب ، فحل بالمعاند سوء العذاب ، فبسط حال هؤلاء وسوء مقالهم ليعلم أنه لا فرق بينهم وبين مكذبي الأمم السالفة في استحقاق العذاب وسوء الانقلاب ، وقد وقع التصريح بذلك في قوله تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد } إلى قوله : { إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب } ولما أتبع سبحانه هذا بذكر استعجالهم في قوله { عجل لنا قطناً قبل يوم الحساب } أتبع ذلك بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر فقال { اصبر على ما يقولون } ثم آنسه بذكر الأنبياء وحال المقربين الأصفياء { وكلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك } - انتهى .