جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ" يقول : ليس لهؤلاء الذين هم أصحاب الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة ، طعام إلا ما يطعمونه من ضرِيع . والضريع عند العرب : نبت يُقال له الشّبْرِق ، وتسميه أهل الحجاز الضّرِيع إذا يبس ، ويسميه غيرهم : الشّبْرق ، وهو سمّ ... عن عكرِمة ، في قوله : "لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ" قال : هي شجرة ذات شوك ، لاطئة بالأرض ، فإذا كان الربيع سمّتها قريش الشّبرق ، فإذا هاج العود سمتها الضّرِيع ...
عن قتادة ، قوله : "لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعِ" يقول : من شرّ الطعام ، وأبشعه وأخبثه ...
وقال آخرون : الضّرِيع : الحجارة ...
وقال آخرون : الضّريع : شجر من نار ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
يعني : أنّ طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس ، وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به . وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه . ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه : وهما إماطة الجوع ، وإفادة القوّة والسمن في البدن . أو أريد : أن لا طعام لهم أصلاً : لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنس ؛ لأن الطعام ما أشبع أو أسمن ، وهو منهما بمعزل كما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس ، تريد : نفي الظل على التوكيد ....
قال تعالى في سورة الحاقة : { فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين } وقال ههنا : { ليس لهم طعام إلا من ضريع } والضريع غير الغسلين.
( الأول ) : أن النار دركات فمن أهل النار من طعامه الزقوم ، ومنهم من طعامه الغسلين ، ومنهم من طعامه الضريع ، ومنهم من شرابه الحميم ، ومنهم من شرابه الصديد ، لكل باب منهم جزء مقسوم.
( الثاني ) : يحتمل أن يكون الغسلين من الضريع ويكون ذلك كقوله : ما لي طعام إلا من الشاه ، ثم يقول : مالي طعام إلا من اللبن ، ولا تناقض لأن اللبن من الشاة . كيف يوجد النبت في النار ؟
( الأول ) : ليس المراد أن الضريع نبت في النار يأكلونه ، ولكنه ضرب مثله ، أي أنهم يقتاتون بما لا يشبعهم أو يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع.
( الثاني ) : لم لا يجوز أن يقال : إن النبت يوجد في النار ؟ فإنه لما لم يستبعد بقاء بدن الإنسان مع كونه لحما ودما في النار أبد الآباد ، فكذا ههنا وكذا القول في سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ووصفُ ضريع بأنه لا يُسمن ولا يغني من جوع لتشويهه وأنه تمحض للضر فلا يعود على آكليه بسمن يصلح بعض ما الْتَفَحَ من أجسادهم ، ولا يغني عنهم دفع ألم الجوع ، ولعل الجوع من ضروب تعذيبهم فيسألون الطعام فيُطعمون الضريع فلا يدفع عنهم ألم الجوع . ...
قوله تعالى : " ليس لهم " أي لأهل النار . " طعام إلا من ضريع " لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم . قال عكرمة ومجاهد : الضريع : نبت ذو شوك لاصق بالأرض ، تسميه قريش الشبرق إذا كان رطبا ، فإذا يبس فهو الضريع ، لا تقربه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه ، وهو سم قاتل ، وهو أخبث الطعام وأشنعه ، على هذا عامة المفسرين . إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال : هو شيء يرمى به البحر ، يسمى الضريع ، من أقوات الأنعام لا الناس ، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع ، وهلكت هزلا . والصحيح ما قاله الجمهور : أنه نبت . قال أبو ذؤيب{[15997]} :
رَعَى الشِّبْرَقَ الريَّانَ حتى إذا ذَوَى *** وعادَ ضَرِيعًا بان منه{[15998]} النَّحَائِصُ
وقال الهذلي{[15999]} وذكر إبلا وسوء مرعاها :
وحُبِسْنَ في هَزْمِ الضريعِ فكلُّها *** حَدْبَاءُ داميةُ اليدينِ حَرُودُ{[16000]}
وقال الخليل : الضريع : نبات أخضر منتن الريح ، يرمي به البحر . وقال الوالبي عن ابن عباس : هو شجر من نار ، ولو كانت في الدنيا لأحرقت الأرض وما عليها . وقال سعيد بن جبير : هو الحجارة ، وقاله عكرمة . والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا . وعن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( الضريع : شيء يكون في النار ، يشبه الشوك ، أشد مرارة من الصبر ، وأنتن من الجيفة ، وأحر من النار ، سماه اللّه ضريعا ) . وقال خالد بن زياد : سمعت المتوكل بن حمدان يسأل عن هذه الآية " ليس لهم طعام إلا من ضريع " قال : بلغني أن الضريع شجرة من نار جهنم ، حملها القيح والدم ، أشد مرارة من الصبر ، فذلك طعامهم .
وقال الحسن : هو بعض ما أخفاه اللّه من العذاب . وقال ابن كيسان : هو طعام يضرعون عنده ويذلون ، ويتضرعون منه إلى اللّه تعالى ، طلبا للخلاص منه ، فسمي بذلك ؛ لأن أكله يضرع في أن يعفى منه ، لكراهته وخشونته . قال أبو جعفر النحاس : قد يكون مشتقا من الضارع ، وهو الذليل ، أي ذو ضراعة ، أي من شربه ذليل تلحقه ضراعة . وعن الحسن أيضا : هو الزقوم . وقيل : هو واد في جهنم . فاللّه أعلم . وقد قال اللّه تعالى في موضع آخر : " فليس له اليوم ههنا حمم . ولا طعام إلا من غسلين{[16001]} " [ الحاقة :35 - 36 ] . وقال هنا : " إلا من ضريع " وهو غير الغسلين . ووجه الجمع أن النار دركات ، فمنهم من طعامه الزقوم ، ومنهم من طعامه الغسلين ، ومنهم من طعامه الضريع ، ومنهم من شرابه الحميم ، ومنهم من شرابه الصديد . قال الكلبي : الضريع في درجة ليس فيها غيره ، والزقوم في درجة أخرى . ويجوز أن تحمل الآيتان على حالتين كما قال : " يطوفون بينها وبين حميم آن{[16002]} " [ الرحمن : 44 ] . القتبي : ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نبتين من النار ، أو من جوهر لا تأكله النار . وكذلك سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها ، ولو كانت على ما نعلم ما بقيت على النار . قال : وإنما دلنا اللّه على الغائب عنده ، بالحاضر عندنا ، فالأسماء متفقة الدلالة ، والمعاني مختلفة . وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها . القشيري : وأمثل من قول القتبي أن نقول : إن الذي يبقي الكافرين في النار ليدوم عليهم العذاب ، يبقي النبات وشجرة الزقوم في النار ، ليعذب بها الكفار . وزعم بعضهم أن الضريع بعينه لا ينبت في النار ، ولا أنهم يأكلونه . فالضريع من أقوات الأنعام ، لا من أقوات الناس . وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع ، وهلكت هزلا ، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم ، وضرب الضريع له مثلا ، أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع . قال الترمذي الحكيم : وهذا نظر سقيم من أهله وتأويل دنيء ، كأنه يدل على أنهم تحيروا في قدرة اللّه تعالى ، وأن الذي أنبت في هذا التراب هذا الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار ، جعل لنا في الدنيا من الشجر الأخضر نارا ، فلا النار تحرق الشجر ، ولا رطوبة الماء في الشجر تطفئ النار ، فقال تعالى : " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون{[16003]} " [ يس : 80 ] . وكما قيل حين نزلت " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم " [ الإسراء : 97 ] : قالوا يا رسول اللّه ، كيف يمشون على وجوههم{[16004]} ؟ فقال : [ الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ] . فلا يتحير في مثل هذا إلا ضعيف القلب . أو ليس قد أخبرنا أنه " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا{[16005]} غيرها " [ النساء : 56 ] ، وقال : " سرابيلهم من قطران{[16006]} " [ إبراهيم : 50 ] ، وقال : " إن لدينا أنكالا{[16007]} " [ المزمل : 12 ] أي قيودا . " وجحيما وطعاما ذا غصة " قيل : ذا شوك . فإنما يتلون عليهم العذاب بهذه الأشياء .