في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ} (27)

ووصفه بأنه مختوم ختامه مسك ، قد يفيد أنه معد في أوانيه ، وأن هذه الأواني مقفلة مختومة ، تفض عند الشراب ، وهذا يلقي ظل الصيانة والعناية ! . كما أن جعل الختم من المسك فيه أناقة ورفاهية ! وهذه الصورة لا يدركها البشر إلا في حدود ما يعهدون في الأرض . فإذا كانوا هنالك كانت لهم أذواق ومفاهيم تناسب تصورهم الطليق من جو الأرض المحدود !

وقبل أن يتم وصف الشراب الذي يجيء في الآيتين التاليتين : ( ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون ) . . أي أن هذا الرحيق المختوم يفض ختامه ثم يمزج بشيء من هذه العين المسماة : ( تسنيم )التي ( يشرب بها المقربون ) . . قبل أن يتم الوصف يلقي بهذا الإيقاع ، وبهذا التوجيه : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) . . وهو إيقاع عميق يدل على كثير . . .

إن أولئك المطففين ، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ولا يحسبون حساب اليوم الآخر ، ويكذبون بيوم الحساب والجزاء ، ويرين على قلوبهم الإثم والمعصية . . إن هؤلاء إنما يتنافسون في مال أو متاع من متاع الأرض الزهيد . يريد كل منهم أن يسبق إليه ، وأن يحصل على أكبر نصيب منه . ومن ثم يظلم ويفجر ويأثم ويرتكب ما يرتكب في سبيل متاع من متاع الأرض زائل . .

وما في هذا العرض القريب الزهيد ينبغي التنافس . إنما يكون التنافس في ذلك النعيم وفي ذلك التكريم : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) . . فهو مطلب يستحق المنافسة ، وهو أفق يستحق السباق ، وهو غاية تستحق الغلاب .

والذين يتنافسون على شيء من أشياء الأرض مهما كبر وجل وارتفع وعظم ، إنما يتنافسون في حقير قليل فان قريب . والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة . ولكن الآخرة ثقيلة في ميزانه . فهي إذن حقيقة تستحق المنافسة فيها والمسابقة . .

ومن عجب أن التنافس في أمر الآخرة يرتفع بأرواح المتنافسين جميعا . بينما التنافس في أمر الدنيا ينحط بها جميعا . والسعي لنعيم الآخرة يصلح الأرض ويعمرها ويطهرها للجميع . والسعي لعرض الدنيا يدع الأرض مستنقعا وبيئا تأكل فيه الديدان بعضها البعض . أو تنهش فيه الهوام والحشرات جلود الأبرار الطيبين !

والتنافس في نعيم الآخرة لا يدع الأرض خرابا بلقعا كما قد يتصور بعض المنحرفين . إنما يجعل الإسلام الدنيا مزرعة الآخرة ، ويجعل القيام بخلافة الأرض بالعمار مع الصلاح والتقوى وظيفة المؤمن الحق . على أن يتوجه بهذه الخلافة إلى الله ، ويجعل منها عبادة له تحقق غاية وجوده كما قررها الله - سبحانه - وهو يقول : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .

وإن قوله ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) . . لهو توجيه يمد بأبصار أهل الأرض وقلوبهم وراء رقعة الأرض الصغيرة الزهيدة ، بينما هم يعمرون الأرض ويقومون بالخلافة فيها . ويرفعها إلى آفاق أرفع وأطهر من المستنقع الآسن بينما هم يطهرون المستنقع وينظفونه !

إن عمر المرء في هذه العاجلة محدود ، وعمره في الآجلة لا يعلم نهايته إلا الله . وإن متاع هذه الأرض في ذاته محدود . ومتاع الجنة لا تحده تصورات البشر . وإن مستوى النعيم في هذه الدنيا معروف ومستوى النعيم هناك يليق بالخلود ! فأين مجال من مجال ? وأين غاية من غاية ? حتى بحساب الربح والخسارة فيما يعهد البشر من الحساب ? !

ألا إن السباق إلى هناك . . ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ} (27)

{ 27 - 28 }

ومزاج هذا الشراب من تسنيم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ} (27)

قوله تعالى : " ومزاجه " أي ومزاجه ذلك الرحيق " من تسنيم " وهو شراب ينصب عليهم من علو ، وهو أشرف شراب في الجنة . وأصل التسنيم في اللغة : الارتفاع فهي عين ماء تجري من علو إلى أسفل . ومنه سنام البعير لعلوه من بدنه ، وكذلك تسنيم القبور . وروي عن عبد الله قال : تسنيم عين في الجنة يشرب بها المقربون صرفا ، ويمزج منها كأس أصحاب اليمين فتطيب . وقال ابن عباس في قول عز وجل : " ومزاجه من تسنيم " قال : هذا مما قال الله تعالى : " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " [ السجدة : 17 ] . وقيل : التسنيم عين تجري في الهواء بقدرة الله تعالى ، فتنصب في أواني أهل الجنة على قدر مائها ، فإذا امتلأت أمسك الماء ، فلا تقع منه قطرة على الأرض ، ولا يحتاجون إلى الاستقاء . قاله قتادة . ابن زيد : بلغنا أنها عين تجري من تحت العرش . وكذا في مراسيل الحسن . وقد ذكرناه في سورة " الإنسان " {[15862]} .


[15862]:راجع ص 120 من هذا الجزء.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ} (27)

ولما ذكر الشراب ، أتبعه مزاجه على ما يتعارفه أهل الدنيا لكن بما هو أشرف منه ، فقال مبيناً لحال هذا المسقي : { ومزاجه } أي{[72261]} يسقون منه والحال أن مزاج هذا الرحيق { من تسنيم * } علم على عين معينة وهو - مع كونه علماً - دال على أنها عالية المحل والرتبة ، والشراب{[72262]} ينزل عليهم ماؤها من العلو -{[72263]} ، وقال حمزة الكرماني : ماؤها يجري على الهواء متنسماً ينصب في أواني أهل الجنة على مقدار الحاجة ، فإذا امتلأت أمسك ، وهو في الشعر اسم جبل عال وكذا التنعيم وأصله من السنام ،


[72261]:زيد في الأصل: الذي، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72262]:من ظ و م، وفي الأصل: الشرب.
[72263]:زيد من ظ و م.