في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

37

ذلك هو اليوم الذي لا يحتاطون له ، ولا يحترسون منه ، مع شدة حرص الإنسان على الخير ، وجزعه من الضر . . وهنا يصور لهم نفوسهم عارية من كل رداء ، مكشوفة من كل ستار ، عاطلة من كل تمويه :

( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ، وإن مسه الشر فيؤوس قنوط . ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ، ليقولن : هذا لي ، وما أظن الساعة قائمة ، ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى . فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ، ولنذيقنهم من عذاب غليظ . وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه ، وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ) . .

إنه رسم دقيق صادق للنفس البشرية ، التي لا تهتدي بهدى الله ، فتستقيم على طريق . . رسم يصور تقلبها ، وضعفها ، ومراءها ، وحبها للخير ، وجحودها للنعمة ، واغترارها بالسراء ، وجزعها من الضراء . . رسم دقيق عجيب . .

هذا الإنسان لا يسأم من دعاء الخير . فهو ملح فيه ، مكرر له ، يطلب الخير لنفسه ولا يمل طلبه . وإن مسه الشر . مجرد مس . فقد الأمل والرجاء وظن أن لا مخرج له ولا فرج ، وتقطعت به الأسباب وضاق صدره وكبر همه ؛ ويئس من رحمة الله وقنط من رعايته . ذلك أن ثقته بربه قليلة ، ورباطه به ضعيف !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

{ 49-51 } { لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ }

هذا إخبار عن طبيعة الإنسان ، من حيث هو ، وعدم صبره وجلده ، لا على الخير ولا على الشر ، إلا من نقله الله من هذه الحال إلى حال الكمال ، فقال : { لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ } أي : لا يمل دائمًا ، من دعاء الله ، في الغنى والمال والولد ، وغير ذلك من مطالب الدنيا ، ولا يزال يعمل على ذلك ، ولا يقتنع بقليل ، ولا كثير منها ، فلو حصل له من الدنيا ، ما حصل ، لم يزل طالبًا للزيادة .

{ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ } أي : المكروه ، كالمرض ، والفقر ، وأنواع البلايا { فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } أي : ييأس من رحمة الله تعالى ، ويظن أن هذا البلاء هو القاضي عليه بالهلاك ، ويتشوش من إتيان الأسباب ، على غير ما يحب ويطلب .

إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فإنهم إذا أصابهم الخير والنعمة والمحاب ، شكروا الله تعالى ، وخافوا أن تكون نعم الله عليهم ، استدراجًا وإمهالاً ، وإن أصابتهم مصيبة ، في أنفسهم وأموالهم ، وأولادهم ، صبروا ، ورجوا فضل ربهم ، فلم ييأسوا .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

{ لا يسأم الإنسان من دعاء الخير } لا يمل الكافر من الدعاء بالصحة والمال { وإن مسه الشر } الفقر والضر { فيؤوس } من روح الله { قنوط } من رحمته

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

قوله تعالى : " لا يسأم الإنسان من دعاء الخير " أي لا يمل من دعائه بالخير . والخير هنا المال والصحة والسلطان والعز . قال السدي : والإنسان ها هنا يراد به الكافر . وقيل : الوليد بن المغيرة . وقيل : عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف . وفي قراءة عبد الله " لا يسأم الإنسان من دعاء المال " . " وإن مسه الشر " الفقر والمرض " فيؤوس قنوط " " فيؤوس " من روح الله " قنوط " من رحمته . وقيل : " يؤوس " من إجابة الدعاء " قنوط " بسوء الظن بربه . وقيل : " يؤوس " أي يئس من زوال ما به من المكروه " قنوط " أي يظن أنه يدوم ، والمعنى متقارب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

ولما دل أتباعهم للظن حتى في ذلك اليوم الذي تنكشف فيه الأمور ، وتظهر عظائم المقدور ، وإلقاؤهم بأيديهم فيه على أنهم في غاية العراقة في الجهل والرسوخ في العجز ، أتبع ذلك الدليل على أن ذلك طبع هذا النوع فلا يزال متبدل الأحوال متغير المناهج ، إن أحسن بخير انتفخ عظمه وتطاول كبراً ، وإن مس ببلاء تضاءل ذلاً وامتلأ ضعفاً وعجزاً ، وذلك ضد مقصود السورة الذي هو العلم ، بياناً لأن حال هذا النوع بعيد من العلم ، عريق الصفات في الجهل والشر إلا من عصمه الله فقال تعالى : { لا يسئم } أي يمل ويضجر { الإنسان } أي من الأنس بنفسه الناظر في أعطافه ، الذي لم يتأهل للمعارف الإلهية والطرق الشرعية { من دعاء الخير } أي من طلبه طلباً عظيماً ، وذلك دال مع شرهه على جهله ، فإنه لو كان عالماً بأن الخير يأتيه أو لا يأتيه لخفف عن نفسه من جهده في الدعاء

{ ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء }[ الأعراف : 188 ] { وإن مسه الشر } أي هذا النوع قليله وكثيره بغتة من جهة لا يتوقعها { فيؤوس } أي عريق في اليأس ، وهو انقطاع الرجاء والأمل والحزن العظيم والقطع بلزوم تلك الحالة بحيث صار قدوة في ذلك { قنوط * } أي مقيم في دار انقطاع الأمل والخواطر الرديئة ، فهو تأكيد للمعنى على أحسن وجه وأتمه ، وهذا هو ما طبع عليه الجنس ، فمن أراد الله به منهم خيراً عصمه ، ومن أراد به شراً أجراه مع الطبع فكان كافراً ، لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، قال أبو حيان : واليأس من صفة القلب ، وهو أن ينقطع رجاؤء من الخير ، والقنوط أن يظهر عليه آثار اليأس فيتضاءل وينكسر ، وبدأ بصفة القلب لأنها هي المؤثرة فيما يظهر على الصورة من الانكسار .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

قوله تعالى : { لاَ يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ( 49 ) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ( 50 ) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } .

ذلك بيان من الله يكشف فيه عن حقيقة الإنسان في طبْعِهِ الجزوع ، وفي جنوحه للإسراع والعجلة وإسرافه الملحّ في دعاء الخير ، وذلك قوله : { لاَ يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ } الإنسان دأْبُهُ الإلحاح في المسألة والاستكثار من الخير ؛ فهو على الدوام لا يمل { مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ } والمراد هنا بالخير والعافية والجاه والسلطان ، أما المراد بالإنسان ، فقيل : الكافر ، وقيل : الوليد بن المغيرة ، أو عتبة بن ربيعة . والأولى بالصواب أن يراد بذلك أكثر الناس سواء منهم الكافرون والمنافقون أو ضعاف الإيمان والعقيدة من كثير المسلمين ، أولئك جميعا مجبولون على الهلع والجزع والإفراط في حب الدنيا والاستكثار من زينتها ومباهجها من المال والصحة والعز وحب الشهرة والاستعلاء .

قوله : { الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } الإنسان الخائر على اختلاف حقيقته من الكفر أو النفاق أو الضعف أو التهافت ؛ فإنه خائر مضطرب فهو إن أصابه الشر من فقر أو مرض أو خوف أو غير ذلك من وجوه البلاء صار آيسا قانطا ؛ إذ ييأس من فرج الله ويقنط من رحمته في كشف البلاء والضرِّ عنه ، وذلك هو دأب الإنسان الخاوي ، الذي خلا قلبه من الإيمان أو من عقيدة الإسلام ، وذلك بخلاف المؤمنين الثابتين على الحق في كل الأحوال والظروف ، أولئك الذين يخشون الله ، ويرجون منه العون والرحمة والمدد . ويسألونه في سائر الملابسات والتقلبات أن يشدّ أزرهم ويقوي عزائمهم ويرسِّخ فيهم القدرة على الاصطبار وأن يبدد من أمامهم المكاره والغُموم والكربات والمخاوف ، وأولئك هم المؤمنون الثابتون على منهج الله ، وهم على حالهم من الرسوخ والصبر والطمأنينة حتى يلقوا ربهم .