السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

ولما بين تعالى من حال هؤلاء الكفار أنهم بعد أن كانوا مصرين على القول بإثبات الشركاء والأضداد لله تعالى في الدنيا تبرؤوا عن تلك الشركاء في الآخرة ، بين تعالى أن الإنسان في جميع الأوقات متغير الأحوال فإن أحس بخير وقدرة تعاظم وإن أحس ببلاء ومحنة ذلّ بقوله تعالى : { لا يسأم } أي : لا يمل ولا يعجز { الإنسان } أي : الآنس بنفسه الناظر في إعطافه الذي لم يتأهل للمعارف الإلهية والطرق الشرعية { من دعاء الخير } أي : لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما { وإن مسه الشر } أي : من فقر وشدة وغيرهما { فيؤوس } من فضل الله تعالى { قنوط } من رحمة الله تعالى ، والمعنى : أن الإنسان في حال الإقبال لا ينتهي إلى درجة إلا ويطلب الزيادة عليها ، وفي حال الإدبار والحرمان يصير آيساً قانطاً ، وهذه صفة الكافر لقوله تعالى : { لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } ( يوسف : 87 ) .

تنبيه : في قوله تعالى { يؤوس قنوط } مبالغة من وجهين ؛ أحدهما : من طريق فعول ، والثاني : من طريق التكرار واليأس من صفة القلب ، والقنوط أن تظهر آثار اليأس في الوجه والأحوال الظاهرة .