في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ} (17)

وبينما المجرم في هذه الحال ، يتمنى ذلك المحال ، يسمع ما ييئس ويقنط من كل بارقة من أمل ، أو كل حديث خادع من النفس . كما يسمع الملأ جميعا حقيقة الموقف وما يجري فيه :

كلا ! إنها لظى . نزاعة للشوى . تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى . .

إنه مشهد تطير له النفس شعاعا ، بعد ما أذهلها كرب الموقف وهوله . . ( كلا ! )في ردع عن تلك الأماني المستحيلة في الافتداء بالبنين والزوج والأخ والعشيرة ومن في الأرض جميعا . . ( كلا ! إنها لظى )نار تتلظى وتتحرق( نزاعة للشوى )تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا . . وهي غول مفزعة . ذات نفس حية تشارك في الهول والعذاب عن إرادة وقصد : تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى . . تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر ويتولى . ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يملك أن يدبر ويتولى ! ولقد كان من قبل مشغولا عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الأوعية ! فأما اليوم فالدعوة من جهنم لا يملك أن يلهو عنها . ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كله منها !

والتوكيد في هذه السورة والسورة السابقة قبلها وفي سورة القلم كذلك على منع الخير ، وعدم الحض على طعام المسكين ، وجمع المال في الأوعية إلى جانب الكفر والتكذيب والمعصية . . هذا التوكيد يدل على أن الدعوة كانت تواجه في مكة حالات خاصة يجتمع فيها البخل والحرص والجشع إلى الكفر والتكذيب والضلالة . مما اقتضى تكرار الإشارة إلى هذا الأمر ، والتخويف من عاقبته ، بوصفه من موجبات العذاب بعد الكفر والشرك بالله .

وفي هذه السورة إشارات أخرى تفيد هذا المعنى ، وتؤكد ملامح البيئة المكية التي كانت تواجهها الدعوة . فقد كانت بيئة مشغولة بجمع المال من التجارة ومن الربا . وكان كبراء قريش هم أصحاب هذه المتاجر ، وأصحاب القوافل في رحلتي الشتاء والصيف . وكان هنالك تكالب على الثراء ، وشح النفوس يجعل الفقراء محرومون ، واليتامى مضيعين . ومن ثم تكرر الأمر في هذا الشأن وتكرر التحذير . وظل القرآن يعالج هذا الجشع وهذا الحرص ؛ ويخوض هذه المعركة مع الجشع والحرص في أغوار النفس ودروبها قبل الفتح وبعده على السواء . مما هو ظاهر لمن يتتبع التحذير من الربا ، ومن أكل أموال الناس بالباطل ، ومن أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا ! ومن الجور على اليتيمات واحتجازهن للزواج الجائر رغبة في أموالهن ! ومن نهر السائل ، وقهر اليتيم ، ومن حرمان المساكين . . . إلى آخر هذه الحملات المتتابعة العنيفة الدالة على الكثير من ملامح البيئة . فضلا على أنها توجيهات دائمة لعلاج النفس الإنسانية في كل بيئة . وحب المال ، والحرص عليه ، وشح النفس به ، والرغبة في احتجانه ، آفة تساور النفوس مساورة عنيفة ، وتحتاج للانطلاق من إسارها والتخلص من أوهاقها ، والتحرر من ربقتها ، إلى معارك متلاحقة ، وإلى علاج طويل !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ} (17)

1

المفردات :

تدعو : تجذب وتحضر من أعطى ظهره للحق وأعرض عن الطاعة ، للدخول فيها .

وجمع فأوعى : جمع المال فجعله في وعاء ، وكنزه ولم يؤدّ حقه .

التفسير :

17 ، 18- تدعوا من أدبر وتولّى* وجمع فأوعى .

تدعو جهنم يوم القيامة إليها كلّ أصحابها ، وكل من استحق العذاب فيها ، تلتقط الكافرين من أرض المحشر ، كما يلتقط الطير الحبّ ، وتناديهم بلسان فصيح مبين ، تقول بلسان حالها ، أو بلسان يخلقه الله فيها : تعالوا إليّ ، وتعذبوا في داخلي ، واحتلّوا أماكنكم في جهنم ، يا كل من أدبر وولّى دبره لدعوة الإسلام ، وأعرض عن سماع القرآن ، وانشغل بجمع المال الحرام ، وكنزه في وعاء ، وربط عليه فلم يؤد زكاته .

قال ابن كثير :

وجمع فأوعى . أي : جمع المال بعضه على بعض ، فأوعاه أي أوكاه ( أي ربط عليه ، وحبس حق الله فيه ) ومنع الواجب عليه في النفقات وإخراج الزكاة .

وقد ورد في الحديث : ( ولا توعى فيوعى الله عليك )vi . أي : لا تحبس حق الفقر والمسكين ، فيضيّق الله عليك ، وكان عبد الله بن حكيم لا يربط له كيس ، يقول : سمعت الله يقول : وجمع فأوعى .

وقال الحسن البصري : يا ابن آدم ، سمعت وعيد الله ثم أوعيت الدنيا .

وقال قتادة : وجمع فأوعى . كان جموعا قموما للخبيث .

وقال المفسرون : جمع المال ولم يؤدّ زكاته ، وتشاغل به عن دينه ، وزها باقتنائه ، وتكبر وتجبر فكان جموعا منوعا .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ} (17)

وقوله تعالى : { تَدْعُواْ } خبر مبتدأ مقدر أو حال متداخلة أو مترادفة أو مفردة أو خبر بعد خبر على قراءة الرفع فلا تغفل والدعاء على حقيقته وذلك كما روى عن ابن عباس وغيره يخلق الله تعالى فيها القدرة على الكلام كما يخلقه في جلودهم وأيديهم وأرجلهم فتناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وروى أنها تقول لهم إلي إلي يا كافر يا منافق وجوز أن يراد به الجذب والإحضار كما في قول ذي الرمة يصف الثور الوحشي

: أمسى بوهبين مجتازاً لمرتعة *** من ذي الفوارس تدعو أنفه الربب

ونحوه قوله أيضاً

: ليالي اللهو يطيبني فأتبعه *** كأنني ضارب في غمرة لعب

ولا يبعد أن يقال شبه لياقتها لهم أو استحقاقهم لها على ما قيل بدعائها لهم فعبر عن ذلك بالدعاء على سبيل الاستعارة وقال ثعلب تدعو تهلك من قول العرب دعاك الله تعالى أي أهلكك وحكاه الخليل عنهم وفي الأساس دعاه الله تعالى بمايكره أنزله به وأصابتهم دواعي الدهر صروفه ومن ذلك قوله

دعاك الله من رجل بافعى *** إذا ناما العيون سرت عليكا

واستظهر أنه معنى حقيقي للدعاء لكنه غير مشهور وفيه تردد وجوز أن يكون الدعاء لزبانيتها وأسند إليها مجازاً أو الكلام على تقدير مضاف أي تدعو زبانينها { مَنْ أَدْبَرَ } في الدنيا عن الحق { وتولى } أعرض عن الطاعة .