في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ صَبۡرٗا جَمِيلًا} (5)

وإذا كان يوم واحد من أيام الله يساوي خمسين ألف سنة ، فإن عذاب يوم القيامة قد يرونه هم بعيدا ، وهو عند الله قريب . ومن ثم يدعو الله نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الصبر الجميل على استعجالهم وتكذيبهم بذلك العذاب القريب .

( فاصبر صبرا جميلا . إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) . .

والدعوة إلى الصبر والتوجيه إليه صاحبت كل دعوة ، وتكررت لكل رسول ، ولكل مؤمن يتبع الرسول . وهي ضرورية لثقل العبء ومشقة الطريق ، ولحفظ هذه النفوس متماسكة راضية ، موصولة بالهدف البعيد ، متطلعة كذلك إلى الأفق البعيد . .

والصبر الجميل هو الصبر المطمئن ، الذي لا يصاحبه السخط ولا القلق ولا الشك في صدق الوعد . صبر الواثق من العاقبة ، الراضي بقدر الله ، الشاعر بحكمته من وراء الابتلاء ، الموصول بالله المحتسب كل شيء عنده مما يقع به .

وهذا اللون من الصبر هو الجدير بصاحب الدعوة . فهي دعوة الله ، وهي دعوة إلى الله . ليس له هو منها شيء . وليس له وراءها من غاية . فكل ما يلقاه فيها فهو في سبيل الله ، وكل ما يقع في شأنها هو من أمر الله . فالصبر الجميل إذن ينبعث متناسقا مع هذه الحقيقة ، ومع الشعور بها في أعماق الضمير .

والله صاحب الدعوة التي يقف لها المكذبون ، وصاحب الوعد الذي يستعجلون به ويكذبون ، يقدر الأحداث ويقدر مواقيتها كما يشاء وفق حكمته وتدبيره للكون كله . ولكن البشر لا يعرفون هذا التدبير وذلك التقدير ؛ فيستعجلون . وإذا طال عليهم الأمد يستريبون . وقد يساور القلق أصحاب الدعوة أنفسهم ، وتجول في خاطرهم أمنية ورغبة في استعجال الوعد ووقوع الموعود . . عندئذ يجيء مثل هذا التثبيت وهذا التوجيه من الله الخبير :

( فاصبر صبرا جميلا ) . .

والخطاب هنا للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] تثبيتا لقلبه على ما يلقى من عنت المناوأة والتكذيب . وتقريرا للحقيقة الأخرى : وهي أن تقدير الله للأمور غير تقدير البشر ؛ ومقاييسه المطلقة غير مقاييسهم الصغيرة :

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ صَبۡرٗا جَمِيلًا} (5)

1

المفردات :

فاصبر صبرا جميلا : الصبر الجميل : هو الذي لا جزع فيه ، ولا شكوى لغير الله .

التفسير :

5- فاصبر صبرا جميلا .

اصبر أيها الرسول على أذى قومك ، وتحمل ذلك موقنا بوعد الله تعالى ، مع اليقين الكامل بأن الله معك ، ولن يتخلى عنك ، وقد أمر جميع الأنبياء بالصبر واليقين بالنصر ، والصبر الجميل هو ما كان صاحبه متيقنا بثواب الله ، راضيا بقضائه وقدره ، موقنا بأن يد الله وراء الأحداث ، وقد قضت أن يقاوم الكفار رسالات السماء ، ويستبعدوا خضوعهم لها ، وأن يتحمّل الرسل أعباء الرسالة في ثقة ويقين .

قال تعالى : فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ . . . ( الأحقاف : 35 ) .

وقال تعالى : حتى إذا استيئس الرسل وظنّوا أنهم قد كذّبوا جاءهم نصرنا . . . ( يوسف : 110 ) .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ صَبۡرٗا جَمِيلًا} (5)

{ فاصبر صَبْراً جَمِيلاً } متفرع على قوله تعالى { سأل سائل } [ المعارج : 1 ] ومتعلق به تعلقاً معنوياً لأن السؤال كان عن استهزاء وتعنت وتكذيب بناء على أن السائل النضر وأضرابه وذلك مما يضجره عليه الصلاة والسلام أو كان عن تضجر واستبطاء للنصر بناء على أنه صلى الله عليه وسلم هو السائل فكأنه قيل فاصبر ولا تستعجل فإن الموعود كائن لا محالة والمعنى على هذا أيضاً على قراءة من قرأ سأل سائل من السيلان كقراءة سال سيل ولا يظهر تفرعه على سأل من السؤال إن كان السائل نوحاً عليه السلام والصبر الجميل على ما أخرجه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول » عن ابن عباس ما لا شكوى فيه إلى أحد غير الله تعالى وأخرج عن عبد الأعلى بن الحجاج أنه ما يكون معه صاحب المصيبة في القوم بحيث لا يدري من هو .