في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ} (4)

وإلى جانب هذه الحقيقة تبرز حقيقة التعليم . . تعليم الرب للإنسان( بالقلم ) . . . لأن القلم كان وما يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثرا في حياة الإنسان . . ولم تكن هذه الحقيقة إذ ذاك بهذا الوضوح الذي نلمسه الآن ونعرفه في حياة البشرية . ولكن الله - سبحانه - كان يعلم قيمة القلم ، فيشير إليه هذه الإشارة في أول لحظة من لحظات الرسالة الأخيرة للبشرية . في أول سورة من سور القرآن الكريم . . هذا مع أن الرسول الذي جاء بها لم يكن كاتبا بالقلم ، وما كان ليبرز هذه الحقيقة منذ اللحظة الأولى لو كان هو الذي يقول هذا القرآن . لولا أنه الوحي ، ولولا أنها الرسالة !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ} (4)

المفردات :

الأكرم : له كمال الكرم .

علم بالقلم : جعل الكتابة وسيلة العلم .

علم الإنسان ما لم يعلم : أوجد فيه قوة إدراك المعلومات وطاقات تحصيلها ، ويسر له الدرس .

التفسير :

3 ، 4 ، 5- اقرأ وربك الأكرم* الذي علّم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم .

اقرأ الوحي ، وربك الأكرم . كثير الكرم والفضل ، حين أفاء عليك بالنبوة ، وأنزل عليك الوحي ، وأعطاك الشريعة السّمحة التي ختم الله بها الشرائع ويسرها للناس ، ونيسّرك لليسرى . ( الأعلى : 8 ) .

الذي علّم بالقلم .

وبواسطة القلم كتبت الشرائع والعلوم والفنون ، والآثار والأخبار ، والتوراة والإنجيل ، والزبور والفرقان ، والحكمة والسّنّة ، لذلك أقسم الله بالقلم والدواة .

قال تعالى : ن والقلم وما يسطرون . ( القلم : 1 ) .

وأنزل القرآن ليتلى ويقرأ ، ثم يكتب ويسطّر ، واختار النبي أميّا ليكون معجزة بارزة ، فهذا الأميّ لم يقرأ كتابا ، ولم يخط بيمينه كتابا ، ومع هذا يقرأ هذا الوحي المبين الحكيم المعجز ، ويتحدّى به الناس أجمعين ، مما يدل على أنه ليس من صنع بشر ، بل تنزيل من رب العالمين .

علّم الإنسان ما لم يعلم .

أفاض الله الوحي والتشريع ، والهدى والقصص ، وأخبار الأولين والآخرين ، ومشاهد القيامة ، وأدب الدنيا والدين في هذا الوحي ، ليعلم به الإنسان كل ما لم يعلمه ، فسبحان المعلم الذي اختار رسولا وأنزل عليه وحيا ، ليعلّم الإنسان ما لم يعلمه إلا بطريق الوحي .

قال تعالى : إني أعلم ما لا تعلمون . ( البقرة : 30 ) .

وفي الأثر : ( من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يكن يعلم ) .

يقول أحمد شوقي :

سبحانك اللهم خير معلم *** علّمت بالقلم القرون الأولى

أرسلت بالتوراة موسى مرسلا *** وابن البتول فعلّم الإنجيلا

وفجرت ينبوع البيان محمدا *** فسقى الحديث وعلم التأويلا

الجهل لا تحيا عليه جماعة *** كيف الحياة على يدي عزريلا

ناشدتكم تلك الدماء زكية *** لا تبعثوا للبرلمان جهولا

فترى الذين بنى المسلّة جدّهم *** لا يحسنون لإبرة تشكيلا

جاء في تفسير القرطبي ما يأتي :

نبّه تعالى على فضل علم الكتابة ، لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها الإنسان ، وما دوّنت العلوم ولا قيدت الحكم ، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ، ولولاها ما استقامت أمور الدنيا والدين . اه .

وقال ابن كثير في تفسير هذه الآيات :

أول شيء نزل من القرآن هذه الآيات المباركات ، وهن أول رحمة رحم الله بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم ، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة ، وأن من كرمه تعالى أن علّم الإنسان ما لم يعلم ، فشرّفه الله وكرّمه بالعلم ، وهو القدر الذي امتاز به أدم على الملائكة . اه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ} (4)

{ الذي علم بالقلم } يعني الخط والكتابة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ} (4)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " الذي علم بالقلم " يعني الخط والكتابة ، أي علم الإنسان الخط بالقلم . وروى سعيد عن قتادة قال : القلم نعمة من اللّه تعالى عظيمة ، لولا ذلك لم يقم دين ، ولم يصلح عيش . فدل على كمال كرمه سبحانه ، بأنه علم عباده ما لم يعلموا ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ونبه على فضل علم الكتابة ، لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو . وما دونت العلوم ، ولا قيدت الحكم ، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ، ولا كتب اللّه المنزلة إلا بالكتابة ، ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا . وسمي قلما لأنه يقلم ، أي يقطع ، ومنه تقليم الظفر . وقال بعض الشعراء المحدثين يصف القلم :

فكأنه والحبرُ يخضب رأسَهُ *** شيخٌ لوصل خَرِيدَةٍ يَتَصَنَّعُ

لِمَ{[16204]} لا ألاحِظُهُ بعين جَلاَلة *** وبه إلى الله الصحائفُ ترفعُ

وعن عبد الله بن عمر قال : يا رسول اللّه ، أأكتب ما أسمع منك من الحديث ؟ قال : ( نعم فاكتب ، فإن اللّه علم بالقلم ) . وروى مجاهد عن أبي عمر قال : خلق اللّه عز وجل أربعة أشياء بيده ، ثم قال لسائر الحيوان : كن فكان : القلم ، والعرش ، وجنة عدن ، وآدم عليه السلام .

وفيمن علمه بالقلم ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه آدم عليه السلام ؛ لأنه أول من كتب ، قاله كعب الأحبار .

الثاني : أنه إدريس ، وهو أول من كتب . قاله الضحاك .

الثالث : أنه أدخل كل من كتب بالقلم ؛ لأنه ما علم إلا بتعليم اللّه سبحانه ، وجمع بذلك نعمته عليه في خلقه ، وبين نعمته عليه في تعليمه ؛ استكمالا للنعمة عليه .

الثانية- صح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من حديث أبي هريرة ، قال : ( لما خلق اللّه الخلق كتب في كتابه - فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي ) . وثبت عنه عليه السلام أنه قال : ( أول ما خلق اللّه : القلم ، فقال له اكتب ، فكتب ما يكون إلى يوم القيامة ، فهو عنده في الذكر فوق عرشه ) . وفي الصحيح من حديث ابن مسعود : أنه{[16205]} سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : ( إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة ، بعث اللّه إليها ملكا فصورها ، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ، ثم يقول : يا رب ، أذكر أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ، ثم يقول : يا رب أجله ، فيقول ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يقول : يا رب رزقه ، ليقضي ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده ، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص ، وقال تعالى : ( إن عليكم لحافظين . كراما كاتبين{[16206]} ) ( الانفطار : 10 ) .

قال علماؤنا : فالأقلام في الأصل ثلاثة :

القلم الأول : الذي خلقه اللّه بيده ، وأمره أن يكتب .

والقلم الثاني : أقلام الملائكة ، جعلها اللّه بأيديهم يكتبون بها المقادير والكوائن والأعمال .

والقلم الثالث : أقلام الناس ، جعلها اللّه بأيديهم ، يكتبون بها كلامهم ، ويصلون بها مآربهم .

وفي الكتابة فضائل جمة . والكتابة من جملة البيان ، والبيان مما اختص به الآدمي .

الثالثة- قال علماؤنا : كانت العرب أقل الخلق معرفة بالكتاب ، وأقل العرب معرفة به المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ؛ صرف عن علمه ، ليكون ذلك أثبت لمعجزته ، وأقوى في حجته ، وقد مضى هذا مبينا في سورة " العنكبوت " {[16207]} . وروى حماد بن سلمة عن الزبير بن عبد السلام ، عن أيوب بن عبد الله الفهري ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( لا تسكنوا نساءكم الغرف ، ولا تعلموهن الكتابة ) . قال علماؤنا : وإنما حذرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ذلك ، لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجل ، وليس في ذلك تحصين لهن ولا تستر . وذلك أنهن لا يملكن أنفسهن حتى يشرفن على الرجل ، فتحدث الفتنة والبلاء ، فحذرهم أن يجعلوا لهن غرفا ذريعة إلى الفتنة . وهو كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( ليس للنساء خير لهن من ألا يراهن الرجال ، ولا يرين الرجال ] . وذلك أنها خلقت من الرجل ، فنهمتها في الرجل ، والرجل خلقت فيه الشهوة ، وجعلت سكنا له ، فغير مأمون كل واحد منهما في صاحبه . وكذلك تعليم الكتابة ربما كانت سببا للفتنة ، وذلك إذا علمت الكتابة كتبت إلى من تهوى . والكتابة عين من العيون ، بها يبصر الشاهد الغائب ، والخط هو آثار يده . وفي ذلك تعبير عن الضمير بما لا ينطلق به اللسان ، فهو أبلغ من اللسان . فأحب رسوله صلى اللّه عليه وسلم أن ينقطع عنهن أسباب الفتنة ؛ تحصينا لهن ، وطهارة لقلوبهن .


[16204]:في الأصول: (ألا) في موضع (لم لا)، ولعله تحريف.
[16205]:زيادة لتكملة العبارة.
[16206]:آية 10 سورة الانفطار.
[16207]:راجع جـ 13 ص 251.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ} (4)

وأشار إلى أن من ذلك أنه يفيض على أمته الأمية من العلم والحظ ما لم يفضه على أمة قبلها على قصر أعمارهم ، فقال مشيراً إلى العلم التعليم ، مشعراً بوصفه سبحانه بالمنح بالعلم إلى ترتيب الحكم بالأكرمية على هذا الوصف الناقل للإنسان من الحال العقلي السافل إلى هذا الحال العالي الكامل : { الذي علّم } أي بعد الحلم عن معاجلتهم بالعذاب والعقاب جوداً منه من غير مانع من خوف عاقبة ولا رجاء منفعة { بالقلم * } أي الكتابة به .