مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ} (4)

وقوله : { الذي علم بالقلم } إشارة إلى الأحكام المكتوبة التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالسمع ، فالأول كأنه إشارة إلى معرفة الربوبية والثاني إلى النبوة ، وقدم الأول على الثاني تنبيها على أن معرفة الربوبية غنية عن النبوة ، وأما النبوة فإنها محتاجة إلى معرفة الربوبية .

المسألة الخامسة : في قوله : { علم بالقلم } وجهان ( أحدهما ) : أن المراد من القلم الكتابة التي تعرف بها الأمور الغائبة ، وجعل القلم كناية عنها ( والثاني ) : أن المراد علم الإنسان الكتاب بالقلم وكلا القولين متقارب ، إذ المراد التنبيه على فضيلة الكتابة ، يروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتا عن الكلام ، فقال : ريح لا يبقى ، قال : فما قيده ، قال : الكتابة ، فالقلم صياد يصيد العلوم يبكي ويضحك ، بركوعه تسجد الأنام ، وبحركته تبقى العلوم على مر الليالي والأيام ، نظيره قول زكريا : { إذ نادى ربه نداء خفيا } أخفى وأسمع فكذا القلم لا ينطق ثم يسمع الشرق والغرب ، فسبحانه من قادر بسوادها جعل الدين منورا ، كما أنه جعلك بالسواد مبصرا ، فالقلم قوام الإنسان والإنسان قوام العين ، ولا تقل القلم نائب اللسان ، فإن القلم ينوب عن اللسان واللسان لا ينوب عن القلم ، التراب طهور ، ولو إلى عشر حجج ، والقلم بدل عن اللسان ولو بعث إلى المشرق والمغرب .