اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ} (4)

قوله : { الذي عَلَّمَ بالقلم } ، يعني : الخط والكتابة ، أي : علم الإنسانَ الخط بالقلم .

قال قتادة : العلم نعمة من الله عظيمة ، ولولا ذلك لم يقُم دين ، ولم يصلح عيش{[60528]} ، فدل على كمال كرمه تعالى ، بأنه علم عباده ما لم يعلموا ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ونبَّه على فضل الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو ، وما دونت العلوم ، ولا قيدت الحكم ، ولا ضبطت أخبار الأولين ، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة . وسمي القلم ، لأنه يقلم ، ومنه تقليم الظفر ، ولولا هي ما استقامت أمور الدينِ والدنيا .

وروى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : قلت : يا رسول الله أكتب ما أسمع منك من الحديث ؟ قال : «نَعَمْ ، فاكتُبْ ، فإنَّ الله علَّمَ بالقَلمِ »{[60529]} .

ويروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتاً عن الكلام فقال : ريح لا يبقى . قال : فما قيده ؟ قال : الكتابة .

وروى مجاهد عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : خلق الله تعالى أربعة أشياء بيده ، ثم قال تعالى لسائر الحيوان : كن فكان : القلم ، والعرش ، وجنة عدن ، وآدم عليه الصلاة والسلام{[60530]} .

من علمه بالقلم ؟ ثلاثة أقوال :

أحدها : قال كعب الأحبار : أول من كتب بالقلم آدم عليه السلام{[60531]} .

وثانيها : قول الضحاك : أول ما كتب إدريس عليه الصلاة والسلام{[60532]} .

والثالث : أنه جميع من كتب بالقلم ؛ لأنه ما علم إلاَّ بتعليم الله تعالى .

قال القرطبي{[60533]} : الأقلام ثلاثة في الأصل .

الأول : الذي خلقه الله تعالى بيده ، وأمره أن يكتب .

والقلم الثاني : قلم الملائكة الذي يكتبون به المقادير ، والكوائن والأعمال .

والقلم الثالث : أقلامُ النَّاسِ ، جعلها الله بأيديهم يكتبون بها كلامهم ، ويصلون بها مآربهم .

وروى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تُسْكنُوا نِسَاءكُم الغُرَفَ ، ولا تُعَلمُوهُنَّ الكِتابَة »{[60534]} .

قال بعض العلماء : وإنَّما حذَّرهم النبي صلى الله عليه وسلم لأن في إسكانهم الغرف تطلُّعاً على الرجال ، وليس في ذلك تحصُّن لهن ولا تستُّر ، وذلك لأنهن لا يملكن أنفسهن ، حتى يشرفن على الرجال ، فتحدث الفتنة والبلاء ، فحذرهم أن يجعلوا لهن غرفاً ذريعة إلى الفتنة . وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ للنِّساءِ خَيْرٌ لَهُنَّ من ألاّ يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ ، ولا يَرَوْنَ الرِّجالَ »{[60535]} ، وذلك أنها خلقت من الرجل فنهمتها في الرجل ، والرجل خلقت فيه الشَّهوة ، وجعلت سكناً له ، فكل واحد منهما غير مأمونٍ على صاحبه ، وكذلك تعليم الكتابة ، ربما كانت سبباً في الفتنة ؛ لأنها إذا علمت الكتابة كتبت إلى من تهوى ؛ فالكتابة عين من العيون بهما يبصر الشاهد الغائب ، والخط آثار يده ، وفيه تعبير عن الضمير بما لا ينطق به اللسانُ ، فهي أبلغ من اللسان ، فأحبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عنهن أسباب الفتنة تحصيناً لهنَّ ، وطهارة لقلوبهن .


[60528]:سقط من: أ.
[60529]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/644) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/625) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[60530]:تقدم تخريجه.
[60531]:ينظر المصدر السابق.
[60532]:ينظر المصدر السابق.
[60533]:ينظر الجامع لأحكام القرآن (20/82).
[60534]:ذكره المتقي الهندي (444999)، وعزاه إلى الحكيم الترمذي عن ابن مسعود. وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (14/224) عن عائشة قال ابن عراق في "تنزيه الشريعة": ولا يصح.
[60535]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/83).