قوله : { الذي عَلَّمَ بالقلم } ، يعني : الخط والكتابة ، أي : علم الإنسانَ الخط بالقلم .
قال قتادة : العلم نعمة من الله عظيمة ، ولولا ذلك لم يقُم دين ، ولم يصلح عيش{[60528]} ، فدل على كمال كرمه تعالى ، بأنه علم عباده ما لم يعلموا ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ونبَّه على فضل الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو ، وما دونت العلوم ، ولا قيدت الحكم ، ولا ضبطت أخبار الأولين ، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة . وسمي القلم ، لأنه يقلم ، ومنه تقليم الظفر ، ولولا هي ما استقامت أمور الدينِ والدنيا .
وروى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : قلت : يا رسول الله أكتب ما أسمع منك من الحديث ؟ قال : «نَعَمْ ، فاكتُبْ ، فإنَّ الله علَّمَ بالقَلمِ »{[60529]} .
ويروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتاً عن الكلام فقال : ريح لا يبقى . قال : فما قيده ؟ قال : الكتابة .
وروى مجاهد عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : خلق الله تعالى أربعة أشياء بيده ، ثم قال تعالى لسائر الحيوان : كن فكان : القلم ، والعرش ، وجنة عدن ، وآدم عليه الصلاة والسلام{[60530]} .
من علمه بالقلم ؟ ثلاثة أقوال :
أحدها : قال كعب الأحبار : أول من كتب بالقلم آدم عليه السلام{[60531]} .
وثانيها : قول الضحاك : أول ما كتب إدريس عليه الصلاة والسلام{[60532]} .
والثالث : أنه جميع من كتب بالقلم ؛ لأنه ما علم إلاَّ بتعليم الله تعالى .
قال القرطبي{[60533]} : الأقلام ثلاثة في الأصل .
الأول : الذي خلقه الله تعالى بيده ، وأمره أن يكتب .
والقلم الثاني : قلم الملائكة الذي يكتبون به المقادير ، والكوائن والأعمال .
والقلم الثالث : أقلامُ النَّاسِ ، جعلها الله بأيديهم يكتبون بها كلامهم ، ويصلون بها مآربهم .
وروى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تُسْكنُوا نِسَاءكُم الغُرَفَ ، ولا تُعَلمُوهُنَّ الكِتابَة »{[60534]} .
قال بعض العلماء : وإنَّما حذَّرهم النبي صلى الله عليه وسلم لأن في إسكانهم الغرف تطلُّعاً على الرجال ، وليس في ذلك تحصُّن لهن ولا تستُّر ، وذلك لأنهن لا يملكن أنفسهن ، حتى يشرفن على الرجال ، فتحدث الفتنة والبلاء ، فحذرهم أن يجعلوا لهن غرفاً ذريعة إلى الفتنة . وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ للنِّساءِ خَيْرٌ لَهُنَّ من ألاّ يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ ، ولا يَرَوْنَ الرِّجالَ »{[60535]} ، وذلك أنها خلقت من الرجل فنهمتها في الرجل ، والرجل خلقت فيه الشَّهوة ، وجعلت سكناً له ، فكل واحد منهما غير مأمونٍ على صاحبه ، وكذلك تعليم الكتابة ، ربما كانت سبباً في الفتنة ؛ لأنها إذا علمت الكتابة كتبت إلى من تهوى ؛ فالكتابة عين من العيون بهما يبصر الشاهد الغائب ، والخط آثار يده ، وفيه تعبير عن الضمير بما لا ينطق به اللسانُ ، فهي أبلغ من اللسان ، فأحبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عنهن أسباب الفتنة تحصيناً لهنَّ ، وطهارة لقلوبهن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.