تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ} (4)

المفردات :

الأكرم : له كمال الكرم .

علم بالقلم : جعل الكتابة وسيلة العلم .

علم الإنسان ما لم يعلم : أوجد فيه قوة إدراك المعلومات وطاقات تحصيلها ، ويسر له الدرس .

التفسير :

3 ، 4 ، 5- اقرأ وربك الأكرم* الذي علّم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم .

اقرأ الوحي ، وربك الأكرم . كثير الكرم والفضل ، حين أفاء عليك بالنبوة ، وأنزل عليك الوحي ، وأعطاك الشريعة السّمحة التي ختم الله بها الشرائع ويسرها للناس ، ونيسّرك لليسرى . ( الأعلى : 8 ) .

الذي علّم بالقلم .

وبواسطة القلم كتبت الشرائع والعلوم والفنون ، والآثار والأخبار ، والتوراة والإنجيل ، والزبور والفرقان ، والحكمة والسّنّة ، لذلك أقسم الله بالقلم والدواة .

قال تعالى : ن والقلم وما يسطرون . ( القلم : 1 ) .

وأنزل القرآن ليتلى ويقرأ ، ثم يكتب ويسطّر ، واختار النبي أميّا ليكون معجزة بارزة ، فهذا الأميّ لم يقرأ كتابا ، ولم يخط بيمينه كتابا ، ومع هذا يقرأ هذا الوحي المبين الحكيم المعجز ، ويتحدّى به الناس أجمعين ، مما يدل على أنه ليس من صنع بشر ، بل تنزيل من رب العالمين .

علّم الإنسان ما لم يعلم .

أفاض الله الوحي والتشريع ، والهدى والقصص ، وأخبار الأولين والآخرين ، ومشاهد القيامة ، وأدب الدنيا والدين في هذا الوحي ، ليعلم به الإنسان كل ما لم يعلمه ، فسبحان المعلم الذي اختار رسولا وأنزل عليه وحيا ، ليعلّم الإنسان ما لم يعلمه إلا بطريق الوحي .

قال تعالى : إني أعلم ما لا تعلمون . ( البقرة : 30 ) .

وفي الأثر : ( من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يكن يعلم ) .

يقول أحمد شوقي :

سبحانك اللهم خير معلم *** علّمت بالقلم القرون الأولى

أرسلت بالتوراة موسى مرسلا *** وابن البتول فعلّم الإنجيلا

وفجرت ينبوع البيان محمدا *** فسقى الحديث وعلم التأويلا

الجهل لا تحيا عليه جماعة *** كيف الحياة على يدي عزريلا

ناشدتكم تلك الدماء زكية *** لا تبعثوا للبرلمان جهولا

فترى الذين بنى المسلّة جدّهم *** لا يحسنون لإبرة تشكيلا

جاء في تفسير القرطبي ما يأتي :

نبّه تعالى على فضل علم الكتابة ، لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها الإنسان ، وما دوّنت العلوم ولا قيدت الحكم ، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ، ولولاها ما استقامت أمور الدنيا والدين . اه .

وقال ابن كثير في تفسير هذه الآيات :

أول شيء نزل من القرآن هذه الآيات المباركات ، وهن أول رحمة رحم الله بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم ، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة ، وأن من كرمه تعالى أن علّم الإنسان ما لم يعلم ، فشرّفه الله وكرّمه بالعلم ، وهو القدر الذي امتاز به أدم على الملائكة . اه .