في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

9

وعند هذا المقطع - وهم أمام العهد المنقوض ابتغاء النجاة من الخطر والأمان من الفزع - يقرر القرآن إحدى القيم الباقية التي يقررها في أوانها ؛ ويصحح التصور الذي يدعوهم إلى نقض العهد والفرار :

قل : لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ؛ وإذن لا تمتعون إلا قليلا . قل : من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ؛ ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا . .

إن قدر الله هو المسيطر على الأحداث والمصائر ، يدفعها في الطريق المرسوم ، وينتهي بها إلى النهاية المحتومة . والموت أو القتل قدر لا مفر من لقائه ، في موعده ، لا يستقدم لحظة ولا يستأخر . ولن ينفع الفرار في دفع القدر المحتوم عن فار . فإذا فروا فإنهم ملاقون حتفهم المكتوب ، في موعده القريب . وكل موعد في الدنيا قريب ، وكل متاع فيها قليل . ولا عاصم من الله ولا من يحول دون نفاذ مشيئته . سواء أراد بهم سوءا أم أراد بهم رحمة ، ولا مولى لهم ولا نصير ، من دون الله ، يحميهم ويمنعهم من قدر الله .

فالاستسلام الاستسلام . والطاعة الطاعة . والوفاء الوفاء بالعهد مع الله ، في السراء والضراء . ورجعالأمر إليه ، والتوكل الكامل عليه . ثم يفعل الله ما يشاء .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

9

{ قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة . . . . . }

التفسير :

إن مراد الله نافذ لا محالة ، فقل لهم أيها الرسول الكريم : من ذا الذي يمنعكم من قضاء الله ويعصمكم مما يريد أن ينزل بكم إن أراد بكم هلاكا أو شرا فلن يستطيع أحد أن يدفعه عنكم وإن أراد بكم رحمة أو نفعا وخيرا فلن يستطيع أحد أن يمنع وصوله إليكم قال تعالى : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم . ( فاطر : 2 ) .

{ ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا . . . . } ولا يجد هؤلاء المنافقون من يعصمهم مما يريده الله تعالى بهم ولا يجدون من دونه سبحانه قريبا ينفعهم ولا ناصرا ينصرهم فإن الله سبحانه وحده هو الناصر والمغيث والمجير .

***

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

ولما كانوا لما عندهم من التقيد{[55254]} بالوهم ، والدوران مع الحس دأب البهم{[55255]} ، جديرين بأن يقولوا : بلى ينفعنا لأنا طالما رأينا من هرب فسلم ، ومن ثبت فاصطلم ، أمره بالجواب عن هذا بقوله : { قل } أي لهم منكراً عليهم : { من ذا الذي يعصمكم } أي يمنعكم { من الله } المحيط بكل شيء قدرة وعلماً قبل الفرار وفي حال الفرار وبعده { إن أراد بكم سوءاً } فأناخ بكم نقمه فيرد ذلك السوء عنكم { أو } يهينكم ويقبح{[55256]} جانبكم ويمتهنه بأن يصيبكم بسوء إن { أراد بكم رحمة } فأفادكم نعمه{[55257]} ، والرحمة النفع سماه بها لأنه أثرها ، قيسوا هذا المعنى على مقاييس عقولكم معتبرين له بما وجدتم من الشقين في جميع أعماركم ، هل احترزتم عن سوء إرادة فنفعكم الاحتراز ، {[55258]}أو اجتهد{[55259]} غيره في منعكم رحمة منه فتم له أمره أو أوقع الله بكم شيئاً من ذلك فقدر أحد مع بذل الجهد على كشفه بدون إذنه ؟ ويمكن أن تكون الآية من الاحتباك : ذكر السوء أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً ، وذكر الرحمة ثانياً دليلاً على حذف ضدها{[55260]} أولاً .

ولما كانوا أجمد الناس ، أشار سبحانه {[55261]}بكونهم لم يبادروهم{[55262]} بأنفسهم الجواب بما يدل على المتاب إلى جمودهم بالعطف{[55263]} على ما علم أن تقديره جواباً من كل ذي بصيرة : لا يعصمهم أحد من دونه من شيء من ذلك ، ولا يصيبهم بشيء منه ، فقال : { ولا يجدون } أي في وقت من الأوقات { لهم } ونبه على أنه لا شيء إلا وهو في قبضته سبحانه ، وأنه لا إحاطة لشيء غيره بشيء حتى ولا بالرتب التي دون رتبته{[55264]} بقوله ، مثبتاً الجار : { من دون الله } وعبر بالاسم العلم إشارة إلى إحاطته بكل وصف جميل ، فمن أين يكون لغيره الإلمام بشيء منها إلا بإذنه { ولياً } يواليهم فينفعهم{[55265]} بنوع نفع { ولا نصيراً * } ينصرهم من أمره فيرد ما أراده{[55266]} بهم من السوء عنهم .


[55254]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: التقييد.
[55255]:في الأصل: البهيم، وفي ظ وم ومد: البهائم.
[55256]:من م ومد، وفي الأصل وظ: يمينكم قبيح.
[55257]:زيد في ظ: فيرد ذلك السوء.
[55258]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فاجتهد.
[55259]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فاجتهد.
[55260]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: ضده.
[55261]:العبارة من هنا إلى "المتاب" ساقطة من م.
[55262]:من ظ ومد، وفي الأصل: لم يبادوهم.
[55263]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالعطب.
[55264]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: رتبه.
[55265]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وينفعهم.
[55266]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أراه.