في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن طِينٖ} (71)

65

وعند هذا يأخذ السياق في عرض قصة البشرية ؛ وما دار في الملأ الأعلى بشأنها منذ البدء . مما يحدد خط سيرها ، ويرسم أقدارها ومصائرها . وهو ما أرسل محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ليبلغه وينذر به في آخر الزمان :

( إذ قال ربك للملائكة : إني خالق بشراً من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) . .

وما ندري نحن كيف قال الله أو كيف يقول للملائكة . وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله ولا ندري عن كنههم إلا ما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله . ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل وراء الخوض فيه . إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن .

لقد خلق الله هذا الكائن البشري من الطين . كما أن سائر الأحياء في الأرض خلقت من طين . فمن الطين كل عناصرها . فيما عدا سر الحياة الذي لا يدري أحد من أين جاء ولا كيف جاء . ومن الطين كل عناصر ذلك الكائن البشري فيما عدا ذلك السر . وفيما عدا تلك النفخة العلوية التي جعلت منه إنساناً . من الطين كل عناصر جسده . فهو من أمه الأرض . ومن عناصرها تكون . وهو يستحيل إلى تلك العناصر حينما يفارقه ذلك السر الإلهي المجهول ؛ وتفارقه معه آثار تلك النفخة العلوية التي حددت خط سيره في الحياة .

ونحن نجهل كنه هذه النفخة ؛ ولكننا نعرف آثارها . فآثارها هي التي ميزت هذا الكائن الإنساني عن سائر الخلائق في هذه الأرض . ميزته بخاصية القابلية للرقي العقلي والروحي . هي التي جعلت عقله ينظر تجارب الماضي ، ويصمم خطط المستقبل . وجعلت روحه يتجاوز المدرك بالحواس والمدرك بالعقول ، ليتصل بالمجهول للحواس والعقول .

وخاصية الارتقاء العقلي والروحي خاصية إنسانية بحتة ، لا يشاركه فيها سائر الأحياء في هذه الأرض . وقد عاصر مولد الإنسان الأول أجناس وأنواع شتى من الأحياء . ولم يقع في هذا التاريخ الطويل أن ارتقى نوع أو جنس - ولا أحد أفراده - عقلياً أو روحياً . حتى مع التسليم بوقوع الارتقاء العضوي .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن طِينٖ} (71)

قصص آدم عليه السلام

{ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ( 71 ) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ( 72 ) فسجد الملائكة كلهم أجمعون ( 73 ) إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ( 74 ) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ( 75 ) قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ( 76 ) قال فاخرج منها فإنك رجيم ( 77 )وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ( 78 ) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ( 79 ) قال فإنك من المنظرين ( 80 ) إلى يوم الوقت المعلوم ( 81 ) قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ( 82 ) إلا عبادك منهم المخلصين ( 83 ) قال فالحق والحق أقول ( 84 ) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ( 85 ) قال ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ( 86 ) إن هو إلا ذكر للعالمين ( 87 ) ولتعلمن نبأه بعد حين ( 88 ) }

المفردات :

الملائكة أجسام من نور قادرة على التشكل ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .

بشرا من طين : هو آدم عليه السلام .

تمهيد :

71

التفسير :

71-{ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين } .

أي : اذكر حين أعلم ربك الملائكة أنه سيخلق إنسانا من طين هو آدم عليه السلام ، وقد مر في سورة البقرة أنه سيكون خليفة في الأرض ، وأن الملائكة تمنّت أن تكون الخلافة في الأرض للملائكة لا لآدم ، وقد علّم الله آدم الأسماء كلها ، أي أودع في فطرته القدرة على التفكير ، واستنباط المجهول من المعلوم ، واستخدام العقل والفكر واللب والفؤاد ، والابتكار والتطوير ، بخلاف الملائكة فهم عباد مكرمون ، مجبولون على الطاعة والامتثال لأمر الله تعالى ، ونطق آدم بالأسماء فيه دليل على قدرة هذا الإنسان على التعلّم والتعليم المستمر ، ولهذا وصل الإنسان إلى القمر ، بينما القرود لا تزال على الشجر .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن طِينٖ} (71)

لما دل على أنه نذير ، وأزال ما ربما أوردوه عليه ، أتبعه ظرف اختصام الملأ الأعلى ، أو بدل " إذ " الأولى فقال : { إذ } أي حين { قال } ودل على أنه هذا كله إحسان إليه وإنعام عليه بذكر الوصف الدال على ذلك ، ولفت القول عن التكلم إلى الخطاب لأنه أقعد في المدح وأدل على أنه كلام الله كما في قوله : { قل من كان عدواً لجبريل }[ البقرة : 97 ] دليلاً يوهم أنه ظرف ليوحى أو لنذير فقال : { ربك } أي المحسن إليك بجعلك خير المخلوقين وأكرمهم عليه فإنه أعطاك الكوثر ، وهو كل ما يمكن أن تحتاج إليه { للملائكة } وهم الملأ الأعلى وإبليس منهم لأنه كان إذ ذاك معهم وفي عدادهم . ولما كانوا عالمين بما دلهم عليه دليل من الله كما تقدم في سورة البقرة أن البشر يقع منه الفساد ، فكانوا يبعدون أن يخلق سبحانه من فيه فساد لأنه الحكيم الذي لا حكيم سواه ، أكد لهم سبحانه قوله : { إني خالق بشراً } أي شخصاً ظاهر البشرة لا ساتر له من ريش ولا شعر ولا غيرهما ليكون التأكيد دليلاً على ما مضى من مراجعتهم لله تعالى التي أشار إليها بالاختصام ، وبين أصله بقوله معلقاً بخالق أو بوصف بشر : { من طين * } اجعله خليفتي في الأرض وإن كان في ذلك فساد لأني أريد أن أظهر حلمي ورحمتي وعفوي وغير ذلك من صفاتي التي لا يحسن في الحكمة إظهارها إلا مع الذنوب " لو لم تذنبوا فتستغفروا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " قال القشيري : وإخباره للملائكة بذلك يدل على تفخيم شأن آدم عليه السلام لأنه خلق ما خلق من الكونين والجنة والنار والعرش والكرسي والملائكة ، ولم يقل في صفة شيء منها ما قاله في صفة آدم عليه السلام وأولاده ، ولم يأمر بالسجود لشيء غيره .