في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

وأمام مشهد هؤلاء في النار - وكأنهم فيها فعلا الآن . ما دام قد حق عليهم العذاب - يعرض مشهد الذين اتقوا ربهم ، وخافوا ما خوفهم الله :

( لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية ، تجري من تحتها الأنهار . وعد الله . لا يخلف الله الميعاد ) . .

ومشهد الغرف المبنية ، من فوقها غرف ، تجري الأنهار من تحتها . . هذا المشهد يتقابل مع مشهد ظلل النار هناك من فوقهم ومن تحتهم . هذا التقابل الذي ينسقه التعبير القرآني وهو يرسم المشاهد للأنظار .

ذلك وعد الله . ووعد الله واقع . لا يخلف الله الميعاد .

ولقد عاش المسلمون الذين تلقوا هذا القرآن أول مرة . عاشوا هذه المشاهد فعلاً وواقعاً . فلم تكن في نفوسهم وعداً أو وعيداً يتلقونهما من مستقبل بعيد . إنما كان هذا وذلك واقعاً تشهده قلوبهم وتحسه وتراه . وتتأثر وترتعش وتستجيب لمرآه . ومن ثم تحولت نفوسهم ذلك التحول ؛ وتكيفت حياتهم على هذه الأرض بذلك الواقع الأخروي ، الذي كانوا يعيشونه ويحيون به وهم بعد في الحياة ! وهكذا ينبغي أن يتلقى المسلم وعد الله .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

المفردات :

لهم غرف : منازل رفيعة عالية في الجنة ، قد أُعدّ بناؤها قبل يوم القيامة .

التفسير :

20- { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبينة تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد } .

لكن الذين خافوا عذاب الله ، وراقبوا الله وأخلصوا له العبادة : أعد الله لهم في الجنة غُرَفّا من فوقها غُرَف . وهي قصور عالية ، ذات طبقات مزخرفات ، قد تمّ بناؤها بحالة تشرح الصدر وتسرُّ العين ، فالأنهار تجري من تحتها لكمال بهجتها ، وزيادة رونقها ، وهذا وعد الله للمتقين المؤمنين ، ووعد الله ثابت لا ينقص ولا يخلف .

قال ابن عباس : غرف الجنة من زبرجد وياقوت .

وروى الإمام أحمد بسنده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة غرفا يُرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وصلّى بالليل والناس نيام " {[590]} .

ونلاحظ أن النار دركات ، وأن الجنة درجات ، والآية تنطوي على ما أعد الله للمتقين من كرامة ومنزلة ونعيم مقيم ، في جنات مبنية بيد الرحمان وقدرته ، تجري من تحتها أنهار من خمر ، وأنهار من عسل ، وأنهار من لبن ، { ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم . . . } ( محمد : 15 ) .


[590]:إن في الجنة غرفا ترى ظهورها: رواه الترمذي في البر (1984) وفي الجنة (2526) وأحمد في مسنده (1340) من حديث علي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن في الجنة غرفا ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها "، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله ؟ قال: " لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام ". قال ابر عيسى: هذا حديث غريب.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

ولما بين أن من عبد الأنداد هالك لخروجه عن دائرة العقل بجرأة وعدم تدبير ، بين ما لأضدادهم ، فقال صارفاً القول عن الاسم الأعظم إلى وصف الإحسان إشارة إلى كرم المتقين بما لهم من إصالة الرأي التي أوجبت خوفهم مع تذكر الإحسان ليدل على أن خوفهم عند تذكر الانتقام أولى : { لكن الذين اتقوا ربهم } أي جعلوا بينهم وبين سخط المحسن إليهم وقاية في كل حركة وسكنة ، فلم يفعلوا شيئاً من ذلك إلا بنظر يدلهم على رضاه { لهم غرف } أي علالي من الجنة يسكنونها في نظير ظلل الكفار . ولما كانت الغرف في قرار تقر به العيون لم يقل " من فوقهم " كما قال في أهل النار وقال : { من فوقها غرف } أي شديدة العلو . ولما كان ربما ظن أن الطبقة الثانية السماء ، لأن الغرفة أصلها العالي ، ولذلك سميت السماء السابعة غرفة ، وأن تكون الغرفة مثل ظلل النار ليس لها قرار ، قال تحقيقاً للحقيقة مفرداً كما هو المطرد في وصف جمع الكثرة لما لا يعقل : { مبنية } . ولما كانت المنازل لا تطيب إلا بالماء ، وكان الجاري أشرف وأحسن قال : { تجري من تحتها } أي الغرف من الطبقة السفلى والطبقة العليا من غير تفاوت بين العلو والسفل ، لأن القدرة صالحة لأكثر من ذلك { الأنهار } .

ولما ذكر يوم القيامة وما يكون فيه ، بين أنه أمر لا بد منه بقوله ، راداً السياق إلى الاسم الأعظم الذي لا يتصور مع استحضار ما له من الجلال إخلاف : { وعد الله } مؤكداً لمضمون الجملة بصيغة المصدر الدال على الفعل الناصب له ، وهو واجب الإضمار والإضافة إلى الاسم الأعظم الجامع لجميع الصفات ، ثم أتبع ذلك بيان ما يلزم من كونه وعده بقوله على سبيل النتيجة : { لا يخلف الله } أي الملك الذي لا شريك له يمنعه من شيء يريده . ولما كان الرعي لزمان الوعد ومكانه إنما يكون للمحافظة عليه فهو أبلغ من رعيه نفسه ، عبر بالمفعال فقال : { الميعاد * } لأنه لا سبب أصلاً يحمله على الإخلاف .