في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ} (2)

ومع هذه الأنسام اللطيفة من حقيقة الأمر وروحه . . الأنسام اللطيفة في العبارة والإيقاع . . وفي الإطار الكوني الذي وضعت فيه هذه الحقيقة :

( والضحى . والليل إذا سجى ) . .

" لقد أطلق التعبير جوا من الحنان اللطيف ، والرحمة الوديعة ، والرضى الشامل ، والشجى الشفيف :

( ما ودعك ربك وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى ) . . ( ألم يجدك يتيما فآوى ? ووجدك ضالا فهدى ? ووجدك عائلا فأغنى ? ) . . ذلك الحنان . وتلك الرحمة . وذاك الرضى . وهذا الشجى : تنسرب كلها من خلال النظم اللطيف العبارة ، الرقيق اللفظ ، ومن هذه الموسيقى السارية في التعبير . الموسيقى الرتيبة الحركات ، الوئيدة الخطوات ، الرقيقة الأصداء ، الشجية الإيقاع . . فلما أراد إطارا لهذا الحنان اللطيف ، ولهذه الرحمة الوديعة ، ولهذا الرضى الشامل ، ولهذا الشجي الشفيف ، جعل الإطار من الضحى الرائق ، ومن الليل الساجي . أصفى آنين من آونة الليل والنهار . وأشف آنين تسري فيهما التأملات . وتتصل الروح بالوجود وخالق الوجود . وتحس بعبادة الكون كله لمبدعه ، وتوجهه لبارئه بالتسبيح والفرح والصفاء . وصورهما في اللفظ المناسب . فالليل هو ( الليل إذا سجى ) ، لا الليل على إطلاقه بوحشته وظلامه . الليل الساجي الذي يرق ويسكن ويصفو ، وتغشاه سحابة رقيقة من الشجى الشفيف ، والتأمل الوديع . كجو اليتم والعيلة . ثم ينكشف ويجلي مع الضحى الرائق الصافي . . فتلتئم ألوان الصورة مع ألوان الإطار . ويتم التناسق والإتساق " .

إن هذا الإبداع في كمال الجمال ليدل على الصنعة . صنعة الله التي لا تماثلها صنعة ، ولا يتلبس بها تقليد !

( والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك . وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ) . .

يقسم الله سبحانه - بهذين الآنين الرائقين الموحيين . فيربط بين ظواهر الكون ومشاعر النفس . ويوحي إلى القلب البشري بالحياة الشاعرة المتجاوبة مع هذا الوجود الجميل الحي ، المتعاطف مع كل حي . فيعيش ذلك القلب في أنس من هذا الوجود ، غير موحش ولا غريب فيه فريد . . وفي هذه السورة بالذات يكون لهذا الأنس وقعه . فظل الأنس هو المراد مده . وكأنما يوحي الله لرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] منذ مطلع السورة ، أن ربه أفاض من حوله الأنس في هذا الوجود ، وأنه من ثم غير مجفو فيه ولا فريد !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ} (2)

المفردات :

سجى : سكن أو اشتد ظلامه .

التفسير :

والليل إذا سجى .

وأقسم بالليل إذا سكن ، أو غطّى بظلمته النهار ، وستر كل شيء تحت ظلامه ، مثلما يسجّى الرجل بالثوب ، ويغطّى ويسجى الميّت بالكفن .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ} (2)

ولما ذكر النهار بأشرف ما فيه مناسبة لأجل المقسم لأجله ، أتبعه الليل مقيداً له بما يفهم إخلاصه لأنه ليس لأشرف ما فيه اسم يخصه فقال : { والّيل } أي الذي به تمام الصلاة ؛ ولما كان أوله وآخر النهار وآخره وأول النهار ضوءاً ممتزجاً بظلمة لالتفاف ساق الليل بساق النهار ، قيد بالظلام الخالص فقال : { إذا سجى * } أي سكن أهله أو ركد ظلامه وإلباسه وسواده واعتدل فخلص فغطى بظلامه كل شيء ، والمتسجي : المتغطي ، ومع تغطيته سكنت ريحه ، فكان في غاية الحسن ، ويمكن أن يكون الأول مشيراً إلى ما يأتي به هذا الرسول صلى الله عليه وسلم من المحكم ، والثاني مشيراً إلى المتشابه ، وهذه الأربعة الأحوال للنور والظلمة - وهي ضوء ممتزج بظلمة ، وظلمة ممتزجة بضوء ، وضياء خالص وظلام خالص - الحاصلة في الآفاق في الإنسان مثلها ، فروحه نور خالص ، وطبعه ظلام حالك ، وقلبه نور ممتزج بظلمة النفس ، والنفس ظلمة ممتزجة بنور القلب ، فإن قويت شهوة النفس على نورانية القلب أظلم جميعه ، وإن قويت نورانية القلب على ظلمة النفس صار نورانياً ، وإن غلبت الروح على الطبع تروخن فارتفع عن رتبة الملائكة ، وإن غلب الطبع على الروح أنزله عن رتبة البهائم كما قال تعالى :

{ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً }[ الأعراف : 179 ] .