ويستطرد لهذا في إثبات بقية دعاء إبراهيم ونجواه لمولاه :
( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) . .
فلا تسلطهم علينا . فيكون في ذلك فتنة لهم ، إذ يقولون : لو كان الإيمان يحمي أهله ما سلطنا عليهم وقهرناهم ! وهي الشبهة التي كثيرا ما تحيك في الصدور ، حين يتمكن الباطل من الحق ، ويتسلط الطغاة على أهل الإيمان - لحكمة يعلمها الله - في فترة من الفترات . والمؤمن يصبر للابتلاء ، ولكن هذا لا يمنعه أن يدعو الله ألا يصيبه البلاء الذي يجعله فتنة وشبهة تحيك في الصدور .
يقولها إبراهيم خليل الرحمن . إدراكا منه لمستوى العبادة التي يستحقها منه ربه ، وعجزه ببشريته عن بلوغ المستوى الذي يكافئ به نعم الله وآلاءه ، ويمجد جلاله وكبرياءه فيطلب المغفرة من ربه ، ليكون في شعوره وفي طلبه أسوة لمن معه ولمن يأتي بعده .
ويختم دعاءه وإنابته واستغفاره يصف ربه بصفته المناسبة لهذا الدعاء :
لا تجعلنا فتنة للذين كفروا : لا تسلطهم علينا ، فيفتنونا بعذاب لا نحتمله ، من قولهم : فتن الفضة ، أي : أذابها .
{ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
أي : لا تظهرهم علينا بالغلبة والتفوّق ، فيغريهم ذلك بفتنتنا وإيذائنا .
قال مجاهد : معناه : لا تعذبنا بأيديهم ، ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا .
وقل ابن عباس : لا تسلطهم علينا فيفتنونا بذلك .
وقال قتادة : لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك ، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقٍّ هم عليه . واختاره ابن جريرviii .
ولبعض العلماء رأي آخر في فهم الآية ، وهو أن المراد بالفتنة هنا : اضطراب حال المسلمين وفساده ، وكونهم لا يصلحون أن يكونوا قدوة لغيرهم في وجوه الخير ، فيكون المعنى : يا رب لا تجعل أعمالنا وأقوالنا سيئة ، فيترتب على ذلك أن ينفر الكافرون من ديننا بحجة أنه لو كان دينا سليما لظهر أثره على أتباعه ، ولكانوا بعيدين عن كل تفرق وتباعد وتأخّرix .
لا تجعلنا مفتونين بسبب محبة الذين كفروا والتقرّب إليهم ، ومتابعتهم في سلوكهم ، وتقليدهم في ملابسهم وأفعالهم .
أي : لا تجعلنا مفتونين بهم ، مسخّرين لهم . x
{ وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
اغفر لنا ما فرط من الذنوب ، واجعلنا واثقين بفضلك ، إنك أنت ، الْعَزِيزُ . الغالب الذي لا يذلّ من التجأ إليه ، ولا يخيب رجاء من توكل عليه ، الْحَكِيمُ . الذي لا يفعل إلا ما فيه الخير والمصلحة .
لا تجعلنا فتنة للذين كفروا : لا تسلّطهم علينا فتنزل البلاء علينا بأيديهم .
ربّنا قد اعتمدْنا عليك في جميع أمورنا ، ورجعنا إليك بالتوبة ، ومصيرُنا إليك . فاقتدوا بهم أيها المؤمنون .
{ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ واغفر لَنَا } .
ربّنا لا تجعلّنا بحالٍ نكون فيها فتنة للكافرين ، بأن تُظهرَهم علينا فيفتنونا بذلك ، واغفر لنا ذنوبنا ، { رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم } .
{ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } أي : لا تسلطهم علينا بذنوبنا ، فيفتنونا ، ويمنعونا مما يقدرون عليه من أمور الإيمان ، ويفتنون أيضا بأنفسهم ، فإنهم إذا رأوا لهم الغلبة ، ظنوا أنهم على الحق وأنا على الباطل ، فازدادوا كفرا وطغيانا ، { وَاغْفِرْ لَنَا } ما اقترفنا من الذنوب والسيئات ، وما قصرنا به من المأمورات ، { رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ } القاهر لكل شيء ، { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها ، فبعزتك{[1054]} وحكمتك انصرنا على أعدائنا ، واغفر لنا ذنوبنا ، وأصلح عيوبنا .
قوله : { ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا } يعني لا تسلطهم علينا فيفتنونا وهو قول ابن عباس . وقيل : لا تظهر الكافرين علينا فيظنوا بذلك أنهم على حق وأنا على باطل { واغفر لنا } أي واستر علينا بعفوك ورحمتك ذنوبنا وسيئاتنا ، { إنك انت العزيز الحكيم } إنك أنت القوي القاهر المنتقم ذو البطش الشديد وأنت الحكيم في تدبير أمور خلقك لما فيه خيرهم وصلاحهم .