في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ} (23)

16

وبعد هذه اللفتة المفزعة المنذرة لهم يعود إلى الحديث عنهم لو انتهوا إلى هذا الذي حذرهم إياه :

( أولئك الذين لعنهم الله ، فأصمهم وأعمى أبصارهم . أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ? ) .

أولئك الذين يظلون في مرضهم ونفاقهم حتى يتولوا عن هذا الأمر الذي دخلوا فيه بظاهرهم ولم يصدقوا الله فيه ، ولم يستيقنوه . ( أولئك الذين لعنهم الله ) . . وطردهم وحجبهم عن الهدى ، ( فأصمهم وأعمى أبصارهم ) . . وهم لم يفقدوا السمع ، ولم يفقدوا البصر ؛ ولكنهم عطلوا السمع وعطلوا البصر ، أو عطلوا قوة الإدراك وراء السمع والبصر ؛ فلم يعد لهذه الحواس وظيفة لأنها لم تعد تؤدي هذه الوظيفة .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ} (23)

20

المفردات :

أولئك : المفسدون .

لعنهم الله : طردهم الله من رحمته .

فأصمهم : عن سماع الحق .

التفسير :

23- { أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .

هؤلاء المفسدون في الأرض ، القاطعون للرحم ، هم الذين لعنهم الله فطردهم من رحمته ، وجعلهم حيارى لا يهتدون إلى طريق الإيمان ، ولا يوفقون إلى هداية الرحمان ، فآذانهم صماء لا تسمع الهدى لأنهم تصامموا فأصمهم الله ، وتعاموا عن النظر في آفاق الكون ، وفي الأدلة الساطعة على وجود الله وعظمته ، فأعمى الله أبصارهم وبصائرهم ، وأظلم قلوبهم فصارت قاسية لا تلين لذكر الله ، ولا تستجيب لدعوة الهدى .

من تفسير ابن كثير :

أورد الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية طائفة من الأحاديث والآثار في الحث على صلة الرحم ، وفضل صلة الرحم ، وعقوبة قطيعة الرحم ، وهي في جملتها تهيب بالمسلم أن يعمل الآتي :

1- الحرص على صلة الرحم ، ورعاية الأقارب ، والسؤال عنهم ، وزيارتهم والعطف عليهم .

2- مقابلة الإساءة بالإحسان ، حتى لا تقطع الأرحام ولا يعم الجفاء بين الأقارب .

روى البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خلق الله تعالى الخلق ، فلما فرغ منه قامت الرحم ، فأخذت بحقوى الرحمان عز وجل ، فقال : مه ، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، فقال تعالى : ألا ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذاك لك ) . قال أبو هريرة رضي الله عنه : اقرأوا إن شئتم : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } .

وروى الإمام أحمد ، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من ذنب أحرى أن يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا ، مع ما يدخر صاحبه في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم ) .

وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي ذوي أرحام ، أصل ويقطعون ، وأعفو ويظلمون ، وأحسن ويسيئون ، أفأكافئهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( لا ، إذن تتركون جميعا ، ولكن جد بالفضل وصلهم ، فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك ) . أخرجه أحمد .

وروى الإمام أحمد ، والبخاري ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الرحم معلقة بالعرش ، وليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) .

وفي الحديث القدسي : ( قال الله عز وجل : أنا الرحمان ، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ، فمن يصلها أصله ، ومن يقطعها أقطعه فأبتُّه ) ، أخرجه أحمد .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ) . وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا ظهر القول وخزن العمل ، وائتلفت الألسنة وتباغضت القلوب ، وقطع كل ذي رحم رحمه ، فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم ) . أخرجه الإمام أحمد ، والأحاديث في هذا كثيرة ، والله أعلم6 .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ} (23)

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ} (23)

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ } أفسدوا في الأرض ، وقطعوا أرحامهم { لَعَنَهُمُ اللَّهُ } بأن أبعدهم عن رحمته ، وقربوا من سخط الله .

{ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } أي : جعلهم لا يسمعون ما ينفعهم ولا يبصرونه ، فلهم آذان ، ولكن لا تسمع سماع إذعان وقبول ، وإنما تسمع سماعا تقوم به حجة الله عليها ، ولهم أعين ، ولكن لا يبصرون بها العبر والآيات ، ولا يلتفتون بها إلى البراهين والبينات .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ} (23)

قوله تعالى : " أولئك الذين لعنهم الله " أي طردهم وأبعدهم من رحمته . " فأصمهم " عن الحق . " وأعمى أبصارهم " أي قلوبهم عن الخير . فأتبع الأخبار بأن من فعل ذلك حقت عليه لعنته ، وسلبه الانتفاع بسمعه وبصره حتى لا ينقاد للحق وإن سمعه ، فجعله كالبهيمة التي لا تعقل . وقال : " فهل عسيتم " ثم قال : " أولئك الذين لعنهم الله " فرجع من الخطاب إلى الغيبة على عادة العرب في ذلك .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ} (23)

ولما بين لهم ما يكون ممن تثاقل عن أمر الله ، لأن الملك لا يطرق احتمالاً في شيء إلا وهو واقع فرقاً بين كلامه وكلام غيره ، فكيف بملك الملوك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً{[59744]} ، بين حالهم الذي أنتج لهم ذلك ، فقال ملتفتاً عنهم إيذاناً بالغضب مخاطباً لمن جبل على الشفقة على خلق الله والرحمة لهم إعلاماً له بأن هؤلاء قد تحتم شقاؤهم فليسوا بأهل للشفاعة فيهم ولا للأسى عليهم : { أولئك } أي البعداء البغضاء { الذين لعنهم الله } أي {[59745]}طردهم أشد الطرد الملك الأعظم{[59746]} لما ذكر من إفسادهم وتقطيعهم{[59747]} ؛ ثم سبب عن لعنهم قوله تعالى : { فأصمهم } عن الانتفاع بما يسمعون{[59748]} { وأعمى أبصارهم * } عن الارتفاق بما يبصرون ، فليس سماعهم سماع ادكار ، ولا إبصارهم إبصار اعتبار ، فلا سماع لهم{[59749]} ولا إبصار .


[59744]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: علمه.
[59745]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الملك العظيم الكبير طردهم أشد الطرد.
[59746]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الملك العظيم الكبير طردهم أشد الطرد.
[59747]:من ظ و م ومدن وفي الأصل: تغطيهم.
[59748]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يسمعونه.
[59749]:سقط من ظ و م ومد.