الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ} (23)

( ت ) : وهو عندي بعيدٌ لقوله : { أَوْلَئِكَ الذين لَعَنَهُمُ الله } فتعيَّن التأويل الأَوَّل ، واللَّه أعلم ، وفي البخاريِّ عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ " يعني : قاطعَ رحِمٍ ، وفيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَليَصِلْ رَحِمَهُ " اه ، وفي «صحيح مسلم » عن عائشةَ قالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ " وفي رواية : " لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ " وفي طريق : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ، وَيُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " وخرَّجه البخاريُّ من طريق أبي هريرةَ ؛ على ما تقدَّم ، وخرَّج البخاريُّ عن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ ، حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ ، قَالَتِ الرَّحِمُ : هَذَا مُقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكَ ، وأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكَ ؟ قَالَتْ : بلى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَهُوَ لَكِ ، قال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : فَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ } " وفي رواية : قال الله : " مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ " انتهى .

وروى أبو داودَ في «سُنَنِهِ » عن عبد الرحمن بن عَوْفٍ قال : سمعتُ رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول : " قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أنا الرحمن ، وَهِيَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا مِنْ اسْمِي ، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ " . انتهى .

وقوله تعالى : { أَوْلَئِكَ الذين لَعَنَهُمُ الله } إشارة إلى المرضى القلوب المذكورين .

وقوله : { فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أبصارهم } : استعارةٌ لعدم فهمهم .