ثم يرسم مشهد الطوفان والسفينة الجارية ، مشيرا بهذا المشهد إلى مصرع قوم نوح حين كذبوا . وممتنا على البشر بنجاة أصولهم التي انبثقوا منها ، ثم لم يشكروا ولم يعتبروا بتلك الآية الكبرى :
إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ، لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية . .
ومشهد طغيان الماء ومشهد الجارية على الماء الطاغي ، كلاهما يتناسق مع مشاهد السورة وظلالها . وجرس الجارية وواعية يتمشى كذلك مع إيقاع القافية .
طغى الماء : تجاوز حدّه وارتفع .
حملناكم : حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم .
الجارية : السفينة التي تجري في الماء .
إنا لمّا طغا الماء حملناكم في الجارية .
يمتنّ الله على عباده جميعا بإغراق المكذّبين ، ونجاة نوح ومن معه من المؤمنين ، حيث كان الناس جميعا من نسل نوح عليه السلام ، فمنهم من استمرّ على إيمانه ، ومنهم من آثر الكفر والضلال ، والأصل أم كلّ شيء عند الله بمقدار ، فما نزلت قطرة ماء من السماء إلا بأمر ملك من الملائكة ، وحين دعا نوح ربّه : دعا ربّه أني مغلوب فانتصر . ( القمر : 10 ) .
استجاب الله سبحانه له ، كما قال تعالى : ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر* وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر* وحملناه على ذات ألواح ودسر* تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر* ولقد تركناها آية فهل من مدّكر . ( القمر : 11- 15 ) .
والآية هنا في سورة الحاقة تعرض صورة الماء طاغيا زائدا مرتفعا ، متجاوزا للحدود المألوفة ، طاغيا ومرتفعا فوق الجبال ، يغرق كل شيء بإذن الله ، ثم سخّر الله السفينة الجارية ، تحمل نوحا ومن معه من المؤمنين ، متجاوبة مع الكون كلّه في الخضوع لأمر الله ومشيئته .
قال تعالى : وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم* وهي تجري بهم في موج كالجبال . . . ( هود : 41 ، 42 ) .
ومن جملة أولئك قوم نوح أغرقهم الله في اليم حين طغى [ الماء على وجه ] الأرض وعلا على مواضعها الرفيعة . وامتن الله على الخلق الموجودين بعدهم أن الله حملهم { فِي الْجَارِيَةِ } وهي : السفينة في أصلاب آبائهم وأمهاتهم الذين نجاهم الله .
فاحمدوا الله واشكروا الذي نجاكم حين أهلك الطاغين واعتبروا بآياته الدالة على توحيده ولهذا قال : { لِنَجْعَلَهَا }
قوله تعالى : " إنا لما طغى الماء " أي ارتفع وعلا . وقال علي رضي الله عنه : طغى على خزانه من الملائكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه . قال قتادة : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا . وقال ابن عباس : طغى الماء زمن نوح على خزانه فكثر عليهم فلم يدروا كم خرج . وليس من الماء قطرة تنزل قبله ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم . وقد مضى هذا مرفوعا أول السورة . والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب : زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول . ثم من عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله : " حملناكم " أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم . " في الجارية " أي في السفن الجارية . والمحمول في الجارية نوح وأولاده ، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك .
{ طغى الماء } عبارة عن كثرته ، فيحتمل أن يريد أنه طغى على أهل الأرض أو على خزانه يعني وقت طوفان نوح عليه السلام .
{ حملناكم في الجارية } هي السفينة ، فإن أراد سفينة نوح فمعنى حملناكم حملنا آباءكم لأن كل من على الأرض من ذرية نوح وأولاده الثلاثة الذين كانوا معه في السفينة ، وإن أراد جنس السفن فالخطاب على حقيقته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.