اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ} (11)

ثم ذكر قصة قومِ نوح ، وهي قوله :

{ إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية } ، أي : ارتفع وعلا .

وقال عليٌّ رضي الله عنه : طَغَى على خُزَّانه من الملائكة غضباً لربِّه ، فلم يقدروا على حبسه{[57748]} .

قال المفسرون : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً .

وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنه : طغى الماءُ زمن نوحٍ على خزانه ، فكثر عليهم فلم يدروا كم خرج ، وليس من الماء قطرة تنزل قبله ، ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم{[57749]} ، وقد تقدم مرفوعاً أوَّل السورةِ ، والمقصود من ذكر قصص هذه الأممِ ، وذكر ما حل بهم من العذاب ، زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسولِ ، ثم منَّ عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله : «حَمَلْناكُم » أي : حملنا آباءكم ، وأنتم في أصلابهم ، «فِي الجَاريَةِ » أي : في السفن الجاريةِ ، والمحمولُ في الجارية إنَّما هو نوحٌ وأولاده ، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك .

والجارية من أسماء السفينة ، ومنه قوله تعالى : { وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر كالأعلام }[ الرحمن : 24 ] ، وغلب استعمالُ الجاريةِ في السفينة ؛ كقوله في بعض الألغاز : [ البسيط ]

4844 - رَأيْتُ جَاريَةٌ في بَطْنِ جَارِيَةٍ***فِي بَطْنِهَا رجُلٌ في بطْنهِ جَمَلُ{[57750]}


[57748]:ينظر تفسير القرطبي (18/170).
[57749]:تقدم تخريج هذا الأثر.
[57750]:ينظر البحر المحيط 8/316، والدر المصون 6/363