النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ} (11)

{ إنا لما طَغَى الماءُ حَمَلْناكم في الجاريةِ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : ظَهَر ، رواه ابن أبي نجيح .

الثاني : زادَ وكثر ، قاله عطاء .

الثالث : أنه طغى على خزانه من الملائكة ، غضباً لربه فلم يقدروا على حبسه ، قاله عليّ رضي الله عنه .

قال قتادة : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً .

وروي عن ابن عباس أنه قال : ما أرسل من ريح قط إلا بمكيال .

وما أنزل الله من قطرة قط إلا بمثقال ، إلا يوم نوح وعاد ، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه فلم يكن لهم عليه سبيل ، ثم قرأ : " إنا لما طغى الماء " الآية . وإن الريح طغت على خزانها يوم عاد فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ . " بريح صرصر عاتية سخرها عليهم " الآية .

{ حملناكم في الجارية } يعني سفينة نوح ، سميت بذلك لأنها جارية على الماء .

وفي قوله حملناكم وجهان :

أحدهما : حملنا آباءكم الذين أنتم من ذريتهم .

الثاني : أنهم في ظهور آبائهم المحمولين ، فصاروا معهم ، وقد قال العباس بن عبد المطلب ما يدل على هذا الوجه وهو قوله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم :

من قبلها طِبتَ في الظلال وفي *** مُستودع حيث يُخْصَفُ الورقُ .

ثم هبطتَ البلادَ لا بشرٌ *** أنت ولا مُضْغةٌ ولا عَلَقُ .

بل نطفةٌ تركب السَّفينَ وقد *** ألجَمَ نَسراً وأهلَه الغرقُ{[3067]} .


[3067]:وردت هذه الأبيات في تأويل مختلف الحديث 65 وفي أمالي الزجاجي ش 2: 340. والبيت الأول في اللسان مادة خصف. وفي خصف الورق إشارة إلى ما فعله آدم وحواء في الجنة كما جاء في قوله تعالى: وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة: ونسرا: صنم من أصنام قوم نوح. قال تعالى: ولا يغوث ويعوق ونسرا.