تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ} (11)

الآية 11 وقوله تعالى : { إنا لما طغا الماء } قال بعضهم : أي طغى على الخزّان ، لأن الخزان يرسلون القطر بالكيل والوزن والقدر المعلوم [ وقد ]{[21900]} ذكر في موضع آخر { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } [ القمر : 11 ] أي منصب ، فيكون تأويله : إن الله تعالى لم يمكنهم حفظ القطر في ذلك الوقت ، فطغى عليهم لهذا المعنى ، وإلا لو لزموا حفظه في ذلك الوقت لكان الماء لا يطغى عليهم على ما ذكرنا أنه لا يجوز أن يؤمروا بحفظه ، ولا يملكون حفظه .

وجائز أن يكون طغى أي طغى على الذين أهلكوا من مكذبي نوح عليه السلام وقد وصفنا تأويل الطاغي ، والله اعلم .

وقوله تعالى : { حملناكم في الجارية } [ قد ذكر ] {[21901]}أنه { حملناكم } ولم نكن نحن يومئذ فنحمل ، والخطاب للذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان ، لأن بنجاة أولئك المحمولين نجاة ذريتهم ، وبهلاك أولئك فناء ذريتهم ، فكأنه قد حملهم بحمل أولئك لما حصل لهم النجاة بحملهم ، أو أضاف إليهم لأنه قدر كونهم من آبائهم ، فكأنهم حملوا تقديرا ، وهو كقوله تعالى : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } [ الأعراف : 26 ] ومعناه : أنزلنا عليكم ما قدرنا كون اللباس منه ، وهو المطر ، فإذا أنزل المطر الذي قدر كون اللباس منه ، وهو المطر ، فكأنه أنزل اللباس ، وكقوله {[21902]}عز وجل : { فإنا خلقناكم من تراب } [ الحج : 5 ] ونحن لم نخلق من التراب الذي أصلنا منه ، فكأنا خلقنا منه . فعلى ذلك [ هذا ]{[21903]} :

وإن لم نكن محمولين في السفينة ، فقد حمل أصلنا لنكون نحن من ذلك الأصل ، فكأنا قد حملنا فيها ، إذ كنا في إرادة الله تعالى من الكائنين ، والله أعلم . .

أو ذكر ذلك منة منه على الأبناء بصنيعه بالآباء ليعلم أن على الأبناء شكر ما أحسن إلى آبائهم وأجدادهم ، والله أعلم .


[21900]:في الأصل وم: ثم
[21901]:في الأصل وك: فذكر
[21902]:في الأصل وم: وقال
[21903]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.