في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

وبينما المجرم في هذه الحال ، يتمنى ذلك المحال ، يسمع ما ييئس ويقنط من كل بارقة من أمل ، أو كل حديث خادع من النفس . كما يسمع الملأ جميعا حقيقة الموقف وما يجري فيه :

كلا ! إنها لظى . نزاعة للشوى . تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى . .

إنه مشهد تطير له النفس شعاعا ، بعد ما أذهلها كرب الموقف وهوله . . ( كلا ! )في ردع عن تلك الأماني المستحيلة في الافتداء بالبنين والزوج والأخ والعشيرة ومن في الأرض جميعا . . ( كلا ! إنها لظى )نار تتلظى وتتحرق( نزاعة للشوى )تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا . . وهي غول مفزعة . ذات نفس حية تشارك في الهول والعذاب عن إرادة وقصد : تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى . . تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر ويتولى . ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يملك أن يدبر ويتولى ! ولقد كان من قبل مشغولا عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الأوعية ! فأما اليوم فالدعوة من جهنم لا يملك أن يلهو عنها . ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كله منها !

والتوكيد في هذه السورة والسورة السابقة قبلها وفي سورة القلم كذلك على منع الخير ، وعدم الحض على طعام المسكين ، وجمع المال في الأوعية إلى جانب الكفر والتكذيب والمعصية . . هذا التوكيد يدل على أن الدعوة كانت تواجه في مكة حالات خاصة يجتمع فيها البخل والحرص والجشع إلى الكفر والتكذيب والضلالة . مما اقتضى تكرار الإشارة إلى هذا الأمر ، والتخويف من عاقبته ، بوصفه من موجبات العذاب بعد الكفر والشرك بالله .

وفي هذه السورة إشارات أخرى تفيد هذا المعنى ، وتؤكد ملامح البيئة المكية التي كانت تواجهها الدعوة . فقد كانت بيئة مشغولة بجمع المال من التجارة ومن الربا . وكان كبراء قريش هم أصحاب هذه المتاجر ، وأصحاب القوافل في رحلتي الشتاء والصيف . وكان هنالك تكالب على الثراء ، وشح النفوس يجعل الفقراء محرومون ، واليتامى مضيعين . ومن ثم تكرر الأمر في هذا الشأن وتكرر التحذير . وظل القرآن يعالج هذا الجشع وهذا الحرص ؛ ويخوض هذه المعركة مع الجشع والحرص في أغوار النفس ودروبها قبل الفتح وبعده على السواء . مما هو ظاهر لمن يتتبع التحذير من الربا ، ومن أكل أموال الناس بالباطل ، ومن أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا ! ومن الجور على اليتيمات واحتجازهن للزواج الجائر رغبة في أموالهن ! ومن نهر السائل ، وقهر اليتيم ، ومن حرمان المساكين . . . إلى آخر هذه الحملات المتتابعة العنيفة الدالة على الكثير من ملامح البيئة . فضلا على أنها توجيهات دائمة لعلاج النفس الإنسانية في كل بيئة . وحب المال ، والحرص عليه ، وشح النفس به ، والرغبة في احتجانه ، آفة تساور النفوس مساورة عنيفة ، وتحتاج للانطلاق من إسارها والتخلص من أوهاقها ، والتحرر من ربقتها ، إلى معارك متلاحقة ، وإلى علاج طويل !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

1

المفردات :

كلا : هي كلمة تفيد الزجر عمّا يطلب .

لظى : هي النار .

الشوى : واحدها شواة ، وهي جلدة الرأس تنتزعها النار انتزاعا ، فتفرّقها ثم تعود إلى ما كانت عليه .

التفسير :

15 ، 16- كلاّ إنها لظى* نزّاعة للشّوى .

كلا . حرف ردع وزجر ، أي : ليرتدع المجرم عن هذه الأماني ، فلا فداء ولا شفاعة ، فليرتدع الكافر الأثيم عن ذلك ، فليس ينجيه من عذاب الله فداء ، بل أمامه جهنم تتلظّى نيرانها وتلتهب ، وتتلمظ غضبا على من عصى الله ، وتلتهم الكافر فتنزع وتقتلع أطرافه ، وتلتهم جلدة رأسه فتبتّكها وتقطّعها ثم تعاد .

قال المفسرون :

نزّاعة للشّوى . والشواة جلدة الرأس ، ، تنزعها بشدة من الإنسان ، كلما قلعت عادت كما كانت ، زيادة في التنكيل والعذاب ، وخصّها بالذّكر لأنها أشدّ أجزاء الجسم حساسية وتأثّرا بالنار .

   
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

< نزاعة للشوى } يعني جلود الرأس تقشرها عنه

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

" نزاعة للشوى " قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم في رواية أبي بكر عنه والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي " نزاعة " بالرفع . وروى أبو عمرو عن عاصم " نزاعة " بالنصب . فمن رفع فله خمسة أوجه : أحدها أن تجعل " لظى " خبر " إن " وترفع " نزاعة " بإضمار هي ، فمن هذا الوجه يحسن الوقف على " لظى " . والوجه الثاني أن تكون " لظى " و " نزاعة " خبران لإن . كما تقول إنه خلق مخاصم . والوجه الثالث أن تكون " نزاعة " بدلا من " لظى " و " لظى " خبر " إن " . والوجه الرابع أن يكون " لظى " بدلا من اسم " إن " و " نزاعة " خبر " إن " . والمعنى : أن القصة والخبر لظى نزاعة للشوى ومن نصب " نزاعة " حسن له أن يقف على " لظى " وينصب " نزاعة " على القطع من " لظى " إذ كانت نكرة متصلة بمعرفة . ويجوز نصبها على الحال المؤكدة ، كما قال : " وهو الحق مصدقا{[15353]} " [ البقرة : 91 ] . ويجوز أن تنصب على معنى أنها تتلظى نزاعة ، أي في حال نزعها للشوى . والعامل فيها ما دل عليه الكلام من معنى التلظي . ويجوز أن يكون حالا ، على أنه حال للمكذبين بخبرها . ويجوز نصبها عل القطع ، كما تقول : مررت بزيد العاقل الفاضل . فهذه خمسة أوجه للنصب أيضا . والشوى . جمع شواة وهي جلدة الرأس . قال الأعشى :

قالت قُتَيلة مالَه *** قد جُلِّلَتْ شيبًا شَوَاتُهُ

وقال آخر :

لأصبحت هدتك الحوادثُ هَدَّةً *** لها فشواة الرأس بادٍ قَتِيرُهَا

القتير : الشيب . وفي الصحاح : " والشوى : جمع شواة وهي جلدة الرأس " . والشوى : اليدان والرجلان والرأس من الآدميين ، وكل ما ليس مقتلا . يقال : رماه فأشواه إذا لم يصب المقتل . قال الهذلي :

فإن من القول التي لا شَوَى لها *** إذا زل عن ظهر اللسان انفلاتُها

يقول : إن من القول كلمة لا تشوي ولكن تقتل . قال الأعشى :

قالت قتيلة مالهُ *** قد جُلِّلَتْ شيباً شَواته

قال أبو عبيد : أنشدها أبو الخطاب الأخفش أبا عمرو بن العلاء فقال له : " صحفت ! إنما هو سراتُه ، [ أي نواحيه ]{[15354]} فسكت أبو الخطاب ثم قال لنا : بل هو صحف ، إنما هو شواته " . وشوى الفرس : قوائمه ؛ لأنه يقال : عَبْل{[15355]} الشَّوَى ، ولا يكون هذا للرأس ؛ لأنهم وصفوا الخيل بإسالة الخدين وعتق الوجه وهو رقته . والشوى : رُذال المال . والشوى : هو الشيء الهين اليسير . وقال ثابت البناني والحسن : " نزاعة للشوى " أي لمكارم وجهه . أبو العالية : لمحاسن وجهه . قتادة : لمكارم خلقته وأطرافه . وقال الضحاك : تفري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا . وقال الكسائي : هي المفاصل . وقال بعض الأئمة : هي القوائم والجلود . قال امرؤ القيس :

سليم الشَّظَى عَبْلَ الشَّوَى شَنِجُ النَّسَا *** له حَجَبات مُشْرِفَاتٌ على الفَالِ{[15356]}

وقال أبو صالح : أطراف اليدين والرجلين . قال الشاعر :

إذا نظرتْ عرفت الفخر منها *** وعينيها ولم تعرف شَواها

يعني أطرافها . وقال الحسن أيضا : الشَّوى الهام .


[15353]:راجع جـ 2 ص 29.
[15354]:الزيادة من لسان العرب.
[15355]:أي غليظ القوائم.
[15356]:الشظى: عظم لازق بالذراع. وقيل: انشقاق العصب. و "عبل الشوى" غليظ اليدين والرجلين. و "الشنج" محركة: تقبض الجلد والأصابع. و "النسا" مقصور: عرق في الفخذ، وفرس شنج النسا: منقبضه، وهو مدح له. و "الحجبات": رؤوس عظام الوركين. و "الفال": لغة في الفائل وهو اللحم الذي على الورك.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

{ نزاعة للشوى * } أي هي شديدة النزع{[68342]} لجلود الرؤوس بليغته{[68343]} فما الظن بغيره من الجلد ، وقال في القاموس : الشوى : اليدان والرجلان والأطراف وقحف الرأس وما كان غير مقتل - انتهى ، وقيل : والجلد كله واللحم تنزع ذلك ثم يعود كما كان في الحال ليروا التعب الذي كانوا ينكرونه في أنفسهم {[68344]}في كل{[68345]} لحظة .


[68342]:- زيد في الأصل: أي شديدة، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها..
[68343]:- من ظ وم، وفي الأصل: النزاع.
[68344]:- من ظ وم، وفي الأصل: كله.
[68345]:- من ظ وم، وفي الأصل: كله.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

قوله : { نزّاعة للشّوى } نزاعة ، مقروءة بالرفع عند أكثر المفسرين ، على أنها خبر بعد خبر لأن . وقرأها بعضهم بالنصب على الحال{[4630]} . والشوى ، اليدان والرجلان والأطراف من الإنسان وقحف الرأس . وقيل : جمع شواة ، وهي جلدة الرأس{[4631]} إذ تنزعها النار نزعا ثم تعاد ، مبالغة في التعذيب والتنكيل .


[4630]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 461.
[4631]:القاموس المحيط جـ 4 ص 352 ومختار الصحاح ص 352.