في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

ومع هذا فإن الله يتلطف مع حبيبه المختار ، ويسري عنه ، ويؤنسه ، ويطمئنه ويطلعه على اليسر الذي لا يفارقه :

( فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) . .

إن العسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه . وقد لازمه معك فعلا . فحينما ثقل العبء شرحنا لك صدرك ، فخف حملك ، الذي أنقض ظهرك . وكان اليسر مصاحبا للعسر ، يرفع إصره ، ويضع ثقله .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

التفسير :

5 ، 6- فإنّ مع العسر يسرا* إنّ مع العسر يسرا .

إن مع الشدة فرجا ، ومع الصبر والكفاح نجاحا وفلاحا ، وقد حدثت للدعوة الإسلامية وللمسلمين في فجر الإسلام مضايقات من كفار مكة ، فنزلت هذه الآيات تؤكد لهم أن مع العسر والضيق وتكالب كفار مكة على الإسلام ، سيأتي يسر وفرج ، فقد تمت الهجرة وتم نصر المسلمين في بدر ، وتوالي نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ، حتى فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا .

والآية السادسة تكرير وتأكيد للآية الخامسة ، ويحتمل أن يكون لها معنى جديد ، وهو قدوم اليسر والنصر العظيم ، والغنى والفرج والمغانم .

حيث كان كفار مكة يعيّرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بالفقر ، فنزلت الآيات تبشّره بأن الشدة ستزول ، وأن اليسر سيأتي بعد العسر ، وبالفعل أكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمّته ، ففتح الله له البلاد ، ودان له العباد ، ودخل الناس في الإسلام أفواجا وجماعات ، وبلادا وأمما .

قال الشاعر :

ولربّ نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعا وعند الله منها المخرج

كملت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

العسر : الفقر ، والضعف ، والشدة .

وبعد أن عدّد الله بعض نِعمه على رسوله الكريم ، تلطّف به وآنسَه وطمأنَه بأن اليُسْرَ لا يفارقُه أبدا . فقال : { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً }

تلك بعضُ نِعمنا عليك ، فكن على ثقةٍ من لُطفه تعالى ، بأن الفَرَجَ سيأتي بعد الضيق ، فلا تحزنْ ولا تَضْجَر . وفي الحديث : « لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَين » أخرجه الحاكم والبيهقي .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فإنّ مع الشدّة التي أنت فيها ، من جهاد هؤلاء المشركين ، ومِن أوّله : ما أنت بسبيله ، رجاءً وفرجا بأن يُظْفِرَك بهم ، حتى ينقادوا للحقّ الذي جئتهم به طوعا وكَرها .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال بعضهم : إنما كان عسرا واحدا ، وإن ذكره مرتين ، لأن العسر الثاني ذكره بحرف التعريف فهو والأول واحد ، واليسر ذكره ، بحرف النكرة ، فهو غير الأول ...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

والعُسْر الواحد : ما كان في الدنيا ، واليسران : أحدهما في الدنيا في الخصب ، وزوال البلاء ، والثاني في الآخرة من الجزاء، وإذاً فعُسْرُ جميع المؤمنين واحد هو ما نابهم من شدائد الدنيا ، ويُسْرُهم اثنان : اليومَ بالكَشْفِ والصَّرْفِ ، وغداً بالجزاء . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت : كيف تعلق قوله : { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً } بما قبله ؟ قلت : كان المشركون يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة ، حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم ، فذكره ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال : { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ( 5 ) } كأنه قال : خوّلناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله ، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسراً . ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وههنا سؤالان :

الأول : ما معنى التنكير في اليسر ؟

( جوابه ) : التفخيم ، كأنه قيل : إن مع اليسر يسرا { إن مع العسر يسرا } عظيما ، وأي يسر .

السؤال الثاني : اليسر لا يكون مع العسر ، لأنهما ضدان فلا يجتمعان.

( الجواب ) : لما كان وقوع اليسر بعد العسر بزمان قليل ، كان مقطوعا به فجعل كالمقارن له . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ فإن } أي فعل بك سبحانه هذه الكمالات الكبار بسبب أنه قضى في الأزل قضاء لا مرد له ولا معقب لشيء منه أن { مع العسر } أي هذا النوع خاصة { يسراً } أي عظيماً جداً يجلب به المصالح ويشرح به ما كان قيده من القرائح ، فإن أهل البلاء ما زالوا ينتظرون الرخاء علماً منهم بالفطرة الأولى التي فطر الناس عليها أنه المتفرد بالكمال ، وأنه الفاعل بالاختيار لنسمه الكوائن بأضدادها ، وقد أجرى سنته القديمة سبحانه وتعالى بأن الفرج مع الكرب ...

السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني 977 هـ :

{ فإن مع العسر } ، أي : ضيق الصدر والوزر المنقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم { يسراً } ، أي : كالشرح والوضع والتوفيق للاهتداء والطاعة فلا تيأس من روح الله إذا عراك ما يهمك ، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسراً .

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

( فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) . . إن العسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه . وقد لازمه معك فعلا . فحينما ثقل العبء شرحنا لك صدرك ، فخف حملك ، الذي أنقض ظهرك . وكان اليسر مصاحبا للعسر ، يرفع إصره ، ويضع ثقله . ...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

{ فإن مع العسر يسرا } أي مع الشدة التي أنت فيها من مقاساة بلاء المشركين يسرا بإظهاري إياك عليهم حتى تغلبهم وينقادوا لك طوعا أو كرها .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

قوله تعالى : { فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا }

أي إن مع الضيقة والشدة يسرا ، أي سعة وغنى . ثم كرر فقال : " إن مع العسر يسرا " ، فقال قوم : هذا التكرير تأكيد للكلام ، كما يقال : ارم ارم ، اعجل اعجل ، قال اللّه تعالى : " كلا سوف{[16171]} تعلمون . ثم كلا سوف تعلمون " [ التكاثر : 3 ] . ونظيره في تكرار الجواب : بلى بلى ، لا لا . وذلك للإطناب والمبالغة . قاله الفراء . ومنه قول الشاعر :

هممتُ بنفسيَ بعضَ الهموم *** فأولَى لنفسي أولَى لها{[16172]}

وقال قوم : إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه ، فهو هو . وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره . وهما اثنان ، ليكون أقوى للأمل ، وأبعث على الصبر . قاله ثعلب . وقال ابن عباس : يقول اللّه تعالى خلقت عسرا واحدا ، وخلقت يسرين ، ولن يغلب عسر يسرين . وجاء في الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذه السورة : أنه قال : [ لن يغلب عسر يسرين ] . وقال ابن مسعود{[16173]} : والذي نفسي بيده ، لو كان العسر في حجر ، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ، ولن يغلب عسر يسرين . وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم ، وما يتخوف منهم ، فكتب إليه عمر رضي اللّه عنهما : أما بعد ، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة ، يجعل اللّه بعده فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن اللّه تعالى يقول في كتابه : " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون{[16174]} " [ آل عمران : 200 ] . وقال قوم منهم الجرجاني : هذا قول مدخول ؛ لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفا ، إن مع الفارس سيفا ، أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنان . والصحيح أن يقال : إن اللّه بعث نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم مُقِلاًّ مُخِفًّا ، فعيره المشركون بفقره ، حتى قالوا له : نجمع لك مالا ، فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره ، فعزاه اللّه ، وعدد نعمه عليه ، ووعده الغنى بقوله : " فإن مع العسر يسرا " أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر ، فإن مع ذلك العسر يسرا عاجلا ، أي في الدنيا . فأنجز له ما وعده ، فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن ، ووسع ذات يده ، حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل ، ويهب الهبات السنية ، ويعد لأهله قوت سنة . فهذا الفضل كله من أمر الدنيا ، وإن كان خاصا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء اللّه تعالى . ثم ابتدأ فضلا آخرا من الآخرة وفيه تأسية وتعزية له صلى اللّه عليه وسلم ، فقال مبتدئا : " إن مع العسر يسرا " فهو شيء آخر . والدليل على ابتدائه ، تعريه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النسق التي تدل على العطف . فهذا وعد عام لجميع المؤمنين ، لا يخرج أحد منه ، أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة . وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة . والذي في الخبر : [ لن يغلب عسر يسرين ] يعني العسر الواحد لن يغلبهما ، وإنما يغلب أحدهما إن غلب ، وهو يسر الدنيا ، فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة ، ولن يغلبه شيء . أو يقال : " إن مع العسر " وهو إخراج أهل مكة النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة " يسرا " ، وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل ، مع عز وشرف .


[16171]:آية 3 سورة ألهاكم.
[16172]:البيت للخنساء. ويروى: * هممت بنفسي كل الهموم *
[16173]:أي في روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[16174]:آية سورة آل عمران.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

{ فإن مع العسر يسرا } هذا وعد لما يسر بعد العسر وإنما ذكره بلفظ مع التي تقتضي المقاربة ليدل على قرب اليسر من العسر فإن قيل : ما وجه ارتباط هذا مع ما قبله ؟ فالجواب : أنه صلى الله عليه وسلم كان بمكة هو وأصحابه في عسر من إذاية الكفار ومن ضيق الحال ووعده الله باليسر ، وقد تقدم تعديد النعم تسلية وتأنيسا لتطيب نفسه ويقوى رجاؤه ، كأنه يقول : إن الذي أنعم عليك بهذه النعم سينصرك ويظهرك ويبدل لك هذا العسر بيسر قريب ، ولذلك كرر ( إن مع العسر يسرا ) مبالغة . وقال صلى الله عليه وسلم : " لن يغلب عسر يسرين " . وقد روي ذلك عن عمر وابن مسعود ، وتأويله أن العسر المذكور في هذه السورة واحد ، لأن الألف واللام للعهد كقولك : جاءني رجل فأكرمت الرجل ، واليسر اثنان لتنكيره ، وقيل : إن اليسر الأول في الدنيا والثاني في الآخرة .