في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

وفي ظل هذه اللمسات القصيرة العبارة الهائلة المدى : في أجواز السماء ، وفي آماد الأرض ، وفي أعماق الخلائق . يهتف بالبشر ليفروا إلى خالق السماء والأرض والخلائق ، متجردين من كل ما يثقل أرواحهم ويقيدها ؛ موحدين الله الذي خلق هذا الكون وحده بلا شريك .

( ففروا إلى الله ، إني لكم منه نذير مبين . ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ، إني لكم منه نذير مبين ) . .

والتعبير بلفظ الفرار عجيب حقا . وهو يوحي بالأثقال والقيود والأغلال والأوهاق ، التي تشد النفس البشرية إلى هذه الأرض ، وتثقلها عن الانطلاق ، وتحاصرها وتأسرها وتدعها في عقال . وبخاصة أوهاق الرزق والحرص والانشغال بالأسباب الظاهرة للنصيب الموعود ومن ثم يجيء الهتاف قويا للانطلاق والتملص والفرار إلى الله من هذه الأثقال والقيود ! الفرار إلى الله وحده منزها عن كل شريك . وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر : ( إني لكم منه نذير مبين ) . . وتكرار هذا التنبيه في آيتين متجاورتين ، زيادة في التنبيه والتحذير !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

47

المفردات :

ففروا إلى الله : الجئوا إلى الله ، وسارعوا إلى طاعته ، واعتصموا بحبله .

نذير : منذر مخوّف .

التفسير :

50- { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٍ } .

أي : الجئوا إلى الله الخالق المبدع ، الذي رفع السماء وبسط الأرض ، وأتمَّ إعمار الكون ، هذا الإله الخالق العظيم الرازق الكريم ينبغي أن نعبده وحده لا شريك له ، وألا نعبد معه صنما ولا وثنا ولا جنّا ، ولا ملائكة ولا أيّ شريك .

إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٍ .

إني مخوّف لكم بآيات الله وبالمعجزات ، ومبيِّن وموضح لكم بالابتعاد عن المعاصي ، والاقتراب من الله وطاعته ، والبعد عن معصيته .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

ففِروا الى الله : التَجِئوا اليه ، واعتصموا به .

ولذلك ينصحنا الله تعالى أن نلجأ إليه ، ونسارعَ إلى طاعته .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

فلما دعا العباد النظر إلى لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه ، أمر بما هو المقصود من ذلك ، وهو الفرار إليه أي : الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا ، إلى ما يحبه ، ظاهرًا وباطنًا ، فرار من الجهل إلى العلم ، ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة ، و من الغفلة إلى ذكر الله فمن استكمل هذه الأمور ، فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب ، وحصل له ، نهاية المراد{[863]}  والمطلوب .

وسمى الله الرجوع إليه ، فرارَا ، لأن في الرجوع لغيره ، أنواع المخاوف والمكاره ، وفي الرجوع إليه ، أنواع المحاب والأمن ، [ والسرور ] والسعادة والفوز ، فيفر العبد من قضائه وقدره ، إلى قضائه وقدره ، وكل من خفت منه فررت منه إلى الله تعالى ، فإنه بحسب الخوف منه ، يكون الفرار إليه ، { إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي : منذر لكم من عذاب الله ، ومخوف بين النذارة .


[863]:- في ب: غاية المراد.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

{ ففروا إلى الله } أمر بالرجوع إليه بالتوبة والطاعة وفي اللفظ تحذير وترهيب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

ولما كان كل شيء مما سواه لا بد له من ضد يضاده أو قرين يسد مسده ، وأما سبحانه فلا مثل له لأنه لو كان له مثل لنازعه ، فلم يقدر على كل ما يريد{ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا }[ الأنبياء : 22 ] وثبت{[61439]} أنه أهلك القرون الأولى بمخالفة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فثبت أن وراء المكلفين عذاباً يحق لهم الفرار منه ، وثبت أن كل شيء غيره محتاج إلى زوجه يثبت حاجة الكل إليه ، وأنه لا كفاية عند شيء في كل ما يرام منه ، {[61440]}وجب أن لا يفزع إلا إلى الواحد الغني فسبب عن ذلك قوله : { ففروا } أي أقبلوا وألجؤوا . ولما درب عباده في هذه السورة بصفة الربوبية كثيراً ، فتأهلوا إلى النفوذ في الغيب ، وكانت العبادة لا تكون خالصة إلا إن علقت بالذات لا لشيء آخر ، ذكر اسم الذات فقال : { إلى الله } أي إلى الذي لا مسمى له من مكافىء ، وله الكمال كله ، فهو في غاية العلو ، فلا يقر ويسكن أحد إلى محتاج مثله فإن المحتاج لا غنى عنده ، ولا يقر سبحانه .

إلا من تجرد عن حضيض عوائقه الجسمية إلى أوج صفاته الروحانية ، وذلك من وعيده{[61441]} إلى وعده اللذين دل عليهما بالزوجين ، فتنقل السياق بالتحذير والاستعطاف والاستدعاء ، فهو من باب " لا ملجأ منك إلا إليك أعوذ بك منك " واستمر إلى آخر السورة في ذكره إشارة إلى علي أمره ، ثم علل بقوله مؤكداً لما لهم من الإنكار : { إني لكم منه } أي لا من غيره { نذير } أي من أن يفر أحد إلى غيره فإنه لا يحصل له قصده .

ولما أقام الدليل العقلي الظاهر جداً بما يعلمه أحد في نفسه على ما قاله في هذا الكلام الوحيد قال : { مبين * } ففرار العامة من الجهل إلى العلم عقداً وسعياً ، ومن الكسل إلى التشمير حذراً وحزماً ، ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء ، وفرار الخاصة من الخير إلى الشهود ، ومن الرسوم إلى الأصول ، ومن الحظوظ إلى التجريد ، وفرار خاصة الخاصة مما دون الحق إلى الحق إشهاداً في شهود جلاله واستغراقاً في وحدانيته ، قال القشيري : ومن صح فراره إلى الله صح فراره مع الله - انتهى . وهو بكمال المتابعة ليس غيره ، ومن فهم منه اتحاداً بصفة أو ذات فقد ما حد طريق القوم فعليه لعنة الله .

* { كَذَلِكَ مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } * { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }


[61439]:في الأصل: يثبت.
[61440]:ومن هنا استأنفت نسخة من مد مع بعض الطمس.
[61441]:من مد، وفي الأصل: وعبد.