إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

وقولُه تعالَى : { فَفِرُّوا إِلَى الله } مقدرٌ لقولٍ خُوطبَ بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بطريقِ التلوينِ . والفاءُ إما لترتيبِ الأمرِ عَلى ما حُكيَ من إثارِة غضبِه الموجبةِ للفرارِ منْهَا ومنْ أحكامِ رحمتِه المستدعيةِ للفرار إليَها ، كأنَّه قيلَ قُلْ لَهُم إذَا كانَ الأمرُ كذلكَ فاهربُوا إلى الله الذَّي هذِه شؤونُه بالإيمانِ والطاعةِ كيْ تنجوا من عقابهِ وتفوزُوا بثوابِه ، وَإِمَّا للعطفِ عَلى جُملةٍ مقدرةٍ مترتبةٍ عَلى قولِه تعالَى لعلَّكُم تذكرونَ كأنَّه قيلَ قُلْ لَهُم فتذكُروا ففرُّوا إلى الله الخ ، وقولُه تعالَى : { إِنّي لَكُمْ منْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } تعليلٌ للأمرِ بالفرارِ إليهِ تعالَى أو لوجوبِ الامتثالِ بهِ فإنَّ كونَهُ عليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مُنذِراً منُهُ تعالَى موجبٌ عليهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ أنْ يأمرَهُم بالفرارِ إليهِ وعليهمْ أنْ يمتثلُوا بهِ أي إنِّي لكُم منَ جهتِه تعالَى منذرٌ بينٌ كونُه منذراً منْهُ تعالَى أو مظهرٌ لما يجبُ إظهارُهُ منَ العذابِ المنذَرِ بهِ ، وفي أمرِه تعالَى للرسولِ صلى الله عليه وسلم بأنْ يأمرَهُم بالهربِ إليهِ تعالَى منْ عقابِه وتعليلِه بأنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ينذرُهم منْ جهتِه تعالَى لا منْ تلقاءِ نفسِه . وعدٌ كريمٌ بنجاتِهم من المهروبِ وفوزِهم بالمطلوبِ .