ثم قال تعالى : { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } أمر بالتوحيد ، وفيه لطائف . ( الأولى ) قوله تعالى : { ففروا } ينبئ عن سرعة الإهلاك كأنه يقول الإهلاك والعذاب أسرع وأقرب من أن يحتمل الحال الإبطاء في الرجوع ، فافزعوا إلى الله سريعا وفروا . ( الثانية ) قوله تعالى : { إلى الله } بيان المهروب إليه ولم يذكر الذي منه الهرب لأحد وجهين ، إما لكونه معلوما وهو هول العذاب أو الشيطان الذي قال فيه : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } وإما ليكون عاما كأنه يقول : كل ما عدا الله عدوكم ففروا إليه من كل ما عداه ، وبيانه وهو أن كل ما عداه فإنه يتلف عليك رأس مالك الذي هو العمر ، ويفوت عليك ما هو الحق والخير ، ومتلف رأس المال مفوت الكمال عدو ، وأما إذا فررت إلى الله وأقبلت على الله فهو يأخذ عمرك ولكن يرفع أمرك ويعطيك بقاء لا فناء معه . ( والثالثة ) الفاء للترتيب معناه إذا ثبت أن خالق الزوجين فرد ففروا إليه واتركوا غيره تركا مؤبدا . ( الرابعة ) في تنوع الكلام فائدة وبيانها هو أن الله تعالى قال : { والسماء بنيناها } { والأرض فرشناها } { ومن كل شيء خلقنا } ، ثم جعل الكلام للنبي عليه السلام وقال : { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } ولم يقل ففروا إلينا ، وذلك لأن لاختلاف الكلام تأثيرا ، وكذلك لاختلاف المتكلمين تأثيرا ، ولهذا يكثر الإنسان من النصائح مع ولده الذي حاد عن الجادة ، ويجعل الكلام مختلفا ، نوعا ترغيبا ونوعا ترهيبا ، وتنبيها بالحكاية ، ثم يقول لغيره تكلم معه لعل كلامك ينفع ، لما في أذهان الناس أن اختلاف المتكلمين واختلاف الكلام كلاهما مؤثر ، والله تعالى ذكر أنواعا من الكلام وكثيرا من الاستدلالات والآيات وذكر طرفا صالحا من الحكايات ، ثم ذكر كلاما من متكلم آخر هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن المفسرين من يقول تقديره فقل لهم ففروا وقوله : { إني لكم منه نذير } إشارة إلى الرسالة .
وفيه أيضا لطائف ( إحداها ) أن الله تعالى بين عظمته بقوله : { والسماء بنيناها } { والأرض فرشناها } وهيبته بقوله : { فنبذناهم في اليم } وقوله تعالى : { أرسلنا عليهم الريح العقيم } وقوله : { فأخذتهم الصاعقة } وفيه إشارة إلى أنه تعالى إذا عذب قدر على أن يعذب بما به البقاء والوجود وهو التراب والماء والهواء والنار ، فحكايات لوط تدل على أن التراب الذي منه الوجود والبقاء إذا أراد الله جعله سبب الفناء والماء كذلك في قوم فرعون والهواء في عاد والنار في ثمود ، ولعل ترتيب الحكايات الأربع للترتيب الذي في العناصر الأربعة وقد ذكرنا في سورة العنكبوت شيئا منه ، ثم إذا أبان عظمته وهيبته قال لرسوله عرفهم الحال وقل أنا رسول بتقديم الآيات وسرد الحكايات فلإردافه بذكر الرسول فائدة . ( ثانيها ) في الرسالة أمور ثلاثة المرسل والرسول والمرسل إليه وهاهنا ذكر الكل ، فقوله : { لكم } إشارة إلى المرسل إليهم وقوله : { منه } إشارة إلى المرسل وقوله : { نذير } بيان للرسول ، وقدم المرسل إليه في الذكر ، لأن المرسل إليه أدخل في أمر الرسالة لأن عنده يتم الأمر ، والملك لو لم يكن هناك من يخالفه أو يوافقه فيرسل إليه نذيرا أو بشيرا لا يرسل وإن كان ملكا عظيما ، وإذا حصل المخالف أو الموافق يرسل وإن كان غير عظيم ، ثم المرسل لأنه متعين وهو الباعث ، وأما الرسول فباختياره ، ولولا المرسل المتعين لما تمت الرسالة ، وأما الرسول فلا يتعين ، لأن للملك اختيار من يشاء من عباده ، فقال : { منه } ثم قال : { نذير } تأخيرا للرسول عن المرسل . ( ثالثها ) قوله : { مبين } إشارة إلى ما به تعرف الرسالة ، لأن كل حادث له سبب وعلامة ، فالرسول هو الذي به تتم الرسالة ، ولا بد له من علامة يعرف بها ، فقوله : { مبين } إشارة إليها وهي إما البرهان والمعجزة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.