والذي يعين هذا المعنى هو كلمة رسول . أي مرسل به من عند ربه ، وليس شاعرا ولا كاهنا يقوله من عند نفسه . أو بمساعدة رئي أو شيطان . . إنما هو رسول يقول ما يحمله عمن أرسله . ويقرر هذا تقريرا حاسما ما جاء بعده : ( تنزيل من رب العالمين ) . .
والتعقيب : ( قليلا ما تؤمنون ) . . ( قليلا ما تذكرون ) . . مدلولة نفي الإيمان ، ونفي التذكر . وفق تعبيرات اللغة المألوفة . وفي الحديث في وصف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] " إنه كان يقل اللغو " . أي لا يلغو أصلا . . فقد نفى عنهم أصل الإيمان وأصل التذكر . وإلا فما يقول مؤمن عن الرسول : إنه شاعر ، ولا يقول متذكر متدبر : إنه كاهن . إنما هما الكفر والغفلة ينضحان بهذا القول النكير !
أي أن القرآن تنزيل من عند الله تعالى ، وهو حي السماء .
قال تعالى : بل هو قرآن مجيد* في لوح محفوظ . ( البروج : 21 ، 22 ) .
وقد انتقل القرآن الكريم من رب العزة جلّ جلاله إلى اللوح المحفوظ ، ونزل به جبرائيل الأمين على النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل الأمين ، وتلقته الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أضيف القرآن الكريم إلى جبريل على أنه المبلّغ به عن الله ، مثل قوله تعالى : وإنه لتنزيل رب العالمين* نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين . ( الشعراء : 192 -194 ) .
ومثل قوله تعالى : إنه لقول رسول كريم . حيث أضاف القرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه المتلقي عن جبريل ، وقال بعض المفسرين : المراد بالرسول الكريم هو جبريل عليه السلام .
فالقرآن الكريم ليس شعرا وليس كهانة ، وليس من عمل البشر وصنعهم ، والعرب كانت تعرف ذلك ، وتعرف أن القرآن فوق مستوى طاقة البشر ، وليس قولهم : شاعر أو كاهن ، إلا مشاغبة من المشركين للفت الأنظار عن القرآن الكريم ، ولذلك أجاب الله تعالى بقوله :
أي : هو وحي السماء ، أنزل الله رب العالمين على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقّة ، فجعلت أعجب من تأليف القرآن ، فقلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش ، فقرأ : إنه لقول رسول كريم* وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون . فقلت : كاهن ، فقرأ : ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون* تنزيل من رب العالمين . إلى آخر السورة ، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع ، فهذا من جملة الأسباب التي جعلها الله مؤثرة في هداية عمر بن الخطاب رضي الله عنهxi .
ومن ذلك ، أن ينظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم ، ويرمقوا أوصافه وأخلاقه ، لرأوا أمرا مثل الشمس يدلهم على أنه رسول الله حقا ، وأن ما جاء به تنزيل رب العالمين ، لا يليق أن يكون قول البشر{[1220]} بل هو كلام دال على عظمة من تكلم به ، وجلالة أوصافه ، وكمال تربيته لعباده ، وعلوه فوق عباده ، وأيضا ، فإن هذا ظن منهم بما لا يليق بالله وحكمته .
ولما أثبت أنه قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، ونفى عنه ما قد يلبس من الشعر والكهانة ، ولم يذكر ما كانوا يرمونه به من السحر والأضغاث لأنه عناد محض لا يرتاب أحد فيه ، وكانت السورة مقصوداً فيها إثبات الحقائق التي قد تخفى ، وصفه بما يحقق ما أريد من نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : { تنزيل } أي{[68186]} على وجه التنجيم وأشار إلى إرساله إلى جميع الخلق من أهل السماوات والأرض بقوله : { من رب العالمين * } أي موجدهم ومدبرهم بالإحسان إليهم بما يفهم كل منهم من هذا الذكر الذي رباهم به ، ورتب سبحانه نظمه على وجه سهله على كل منهم شيئاً يكفي في هدايته البيانية بخلاف الشعر والكهانة فإنه لا يفهمهما إلا قليل من الناس لا جميع العالمين ، بل كثير من أكابر العلماء وحذاقهم ربما قرىء على {[68187]}أحد منهم{[68188]} الآن القصيدة من قصائد العرب فلا يفهم المراد منها ولا يتضح له بوجه .
قوله : { تنزيل من رب العالمين } تنزيل خبر لمبتدأ تقديره هو . فهذا القرآن ليس بالشعر أو الكهانة وما يقدر أن يأتي بمثله شاعر أو كاهن بل إنه منزل من عند الله أنزله على رسوله المبلّغ الأمين{[4622]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.