تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (43)

38

تنزيل من رب العالمين .

أي أن القرآن تنزيل من عند الله تعالى ، وهو حي السماء .

قال تعالى : بل هو قرآن مجيد* في لوح محفوظ . ( البروج : 21 ، 22 ) .

وقد انتقل القرآن الكريم من رب العزة جلّ جلاله إلى اللوح المحفوظ ، ونزل به جبرائيل الأمين على النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل الأمين ، وتلقته الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أضيف القرآن الكريم إلى جبريل على أنه المبلّغ به عن الله ، مثل قوله تعالى : وإنه لتنزيل رب العالمين* نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين . ( الشعراء : 192 -194 ) .

ومثل قوله تعالى : إنه لقول رسول كريم . حيث أضاف القرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه المتلقي عن جبريل ، وقال بعض المفسرين : المراد بالرسول الكريم هو جبريل عليه السلام .

فالقرآن الكريم ليس شعرا وليس كهانة ، وليس من عمل البشر وصنعهم ، والعرب كانت تعرف ذلك ، وتعرف أن القرآن فوق مستوى طاقة البشر ، وليس قولهم : شاعر أو كاهن ، إلا مشاغبة من المشركين للفت الأنظار عن القرآن الكريم ، ولذلك أجاب الله تعالى بقوله :

تنزيل من رب العالمين .

أي : هو وحي السماء ، أنزل الله رب العالمين على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقّة ، فجعلت أعجب من تأليف القرآن ، فقلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش ، فقرأ : إنه لقول رسول كريم* وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون . فقلت : كاهن ، فقرأ : ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون* تنزيل من رب العالمين . إلى آخر السورة ، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع ، فهذا من جملة الأسباب التي جعلها الله مؤثرة في هداية عمر بن الخطاب رضي الله عنهxi .