ولما كان جو السورة جو كرم وكرامة ، فإنه يذكر من صفة الحافظين كونهم . . ( كراما ) . . ليستجيش في القلوب إحساس الخجل والتجمل بحضرة هؤلاء الكرام . فإن الإنسان ليحتشم ويستحيي وهو بمحضر الكرام من الناس أن يسف أو يتبذل في لفظ أو حركة أو تصرف . . فكيف به حين يشعر ويتصور أنه في كل لحظاته وفي كل حالاته في حضرة حفظة من الملائكة( كرام )لا يليق أن يطلعوا منه إلا على كل كريم من الخصال والفعال ? !
إن القرآن ليستجيش في القلب البشري أرفع المشاعر بإقرار هذه الحقيقة فيه بهذا التصور الواقعي الحي القريب إلى الإدراك المألوف . .
كراما : ذوي أفعال طاهرة ومحمودة ، ومحاسن كبيرة .
هم كرام على الله ، أصحاب منزلة رفيعة ، ومكانة عظيمة ، ومحاسن جمّة ، وهم يكتبون كل ما يصدر عنكم ، ويسجّلونه في صحائف أعمالكم .
والإنسان يستحيي من الرجل الكريم ، أن يعمل أمامه عملا شائنا ، فما بالك بملك كريم ، يسجّل عليك ما تفعل ، ويكتب حسناتك وسيئاتك ، وملك الحسنات على العاتق الأيمن ، وملك السيئات على العاتق الأيسر ، والأول أمين على الثاني ، فلا يمكّنه من كتابة السيئة إلا بعد مضيّ ست ساعات من غير مكفّر لها .
ويكتبان كل شيء ، حتى الاعتقاد والعزم ، وحتى الأنين في المرض ، ويفارقان المكلّف عند الجماع ، وعد الاغتسال ، وعند دخول الخلاء .
أخرج البزار ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ينهاكم عن التعرّي ، فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات : الغائط ، والجنابة ، والغسل ) .
" كراما " أي علي . كقوله : " كرام بررة " [ عبس : 16 ] . وهنا ثلاث مسائل :
الأولى : روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين : الخراءة{[15839]} أو الجماع ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجرم [ حائط ]{[15840]} أو بغيره ، أو ليستره أخوه ) . وروي عن علي رضي الله عنه قال : ( لا يزال الملك موليا عن العبد ما دام بادي العورة ) وروي ( إن العبد إذا دخل الحمام بغير مئزر لعنه ملكاه ) .
الثانية : واختلف الناس في الكفار هل عليهم حفظة أم لا ؟ فقال بعضهم : لا ؛ لأن أمرهم ظاهر ، وعملهم واحد . قال الله تعالى : " يعرف المجرمون بسيماهم " [ الرحمن : 41 ] . وقيل : بل عليهم حفظة ؛ لقوله تعالى : " كلا بل تكذبون بالدين . وإن عليكم لحافظين . كراما كاتبين . يعلمون ما تفعلون " [ الانفطار : 9 - 12 ] . وقال : " وأما من أوتي كتابه بشمال " [ الحاقة : 25 ] وقال : " وأما من أوتي كتابه وراء ظهره " [ الإنشقاق :10 ] ، فأخبر أن الكفار يكون لهم كتاب ، ويكون عليهم حفظة . فإن قيل : الذي على يمينه أي شيء يكتب ولا حسنة له ؟ قيل له : الذي يكتب عن شماله يكون بإذن صاحبه ، ويكون شاهدا على ذلك وإن لم يكتب . والله أعلم .
ولما أثبت لهم الحفظ ، نزههم عن الزيادة والنقص فقال : { كراماً } أي فهم في غاية ما يكونون من طهارة الأخلاق {[72057]}والعفة والأمانة{[72058]} .
ولما ثبت{[72059]} الحفظ والأمانة بغاية الإبانة{[72060]} ، وكان الحافظ ربما ينسى قال : { كاتبين * } أي هم راسخون في وصف الكتابة يكتبونها في الصحف كما يكتب الشهود بينكم العهود ليقع الجزاء على غاية التحرير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.