يؤيد هذا ويتناسق معه قوله بعد عرض هذه المشاهد والأحداث : ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) . . أي ما فعلته أولا وما فعلته أخيرا . أو ما فعلته في الدنيا ، وما تركته وراءها من آثار فعلها . أو ما استمتعت به في الدنيا وحدها ، وما ادخرته للآخرة بعدها .
على أية حال سيكون علم كل نفس بهذا مصاحبا لتلك الأهوال العظام . وواحدا منها مروعا لها كترويع هذه المشاهد والأحداث كلها !
والتعبير القرآني الفريد يقول : ( علمت نفس ) . . وهو يفيد من جهة المعنى : كل نفس . ولكنه أرشق وأوقع . . كما أن الأمر لا يقف عند حدود علمها بما قدمت وأخرت . فلهذا العلم وقعه العنيف الذي يشبه عنف تلك المشاهد الكونية المتقلبة . والتعبير يلقي هذا الظل دون أن يذكره نصا . فإذا هو أرشق كذلك وأوقع !
ما قدمت وأخرت : ما قدمت من الأعمال ، وما أخرت منها بسبب الكسل .
هذه الآية جواب القسم من أول السورة ، أي : إذا انشقت السماء ، وتناثرت الكواكب ، واشتعلت البحار نارا ، وبعث الأموات من القبور .
أي : علمت كل نفس ما قدمت في الدنيا من الأعمال ، وما أخّرت من المال للورثة .
أو ما استمتعت به في الدنيا وحدها ، وما ادّخرته للآخرة بعدها .
والمقصود : سيرى الإنسان عمله كاملا وما فعله طول حياته ، وسيرى عاقبة الإخلاص أو الرياء ، والآية تعرض في مشهد حيّ مشاهد كأنها تقول للإنسان : سترى عملك في يوم القيامة ، فحاول أن يكون عملك مفيدا لك ، يوم يقوم الناس لرب العالمين .
" علمت نفس ما قدمت وأخرت " مثل : " ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر " [ القيامة : 13 ] . وتقدم . وهذا جواب " إذا السماء انفطرت " لأنه قسم في قول الحسن وقع على قوله تعالى : " علمت نفس " يقول : إذا بدت هذه الأمور من أشراط الساعة ختمت الأعمال فعلمت كل نفس ما كسبت ، فإنها لا ينفعها عمل بعد ذلك . وقيل : أي إذا كانت هذه الأشياء قامت القيامة ، فحوسبت كل نفس بما عملت ، وأوتيت كتابها بيمينها أو بشمالها ، فتذكرت عند قراءته جميع أعمالها . وقيل : هو خبر ، وليس بقسم ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى .
ولما كانت هذه الشروط كلها التي جعلت أشراطاً{[72019]} على الساعة موجبة لعلوم دقيقة ، وتكشف كل واحدة منها عن أمور عجيبة ، وكانت كلها دالة على الانتقال من هذه الدار إلى دار أخرى لخراب هذه الدار ، ناسب أن يجيب " إذ " بقوله : { علمت نفس } أي جميع النفوس بالإنباء بالحساب وبما يجعل لها سبحانه بقوة التركيب من ملكة للاستحضار كما قال تعالى : { فكشفنا عنك غطاءك } والدال على إرادة العموم التعبير بالتنكير في سياق التخويف والتحذير مع العلم بأن النفوس كلها في علم مثل هذا وجهله على حد سواء ، {[72020]}فمهما ثبت{[72021]} للبعض ثبت للكل ، ولعله نكر إشارة إلى أنه ينبغي لمن وهبه الله عقلاً أن يجوّز أنه هو المراد فيخاف : { ما قدمت } أي من عمل{[72022]} { وأخرت * } أي جميع ما عملت من خير أو شر أو غيرهما ، أو ما قدمت قبل الموت{[72023]} وما أخرت من سنة تبقى بعده .
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : هذه السورة كأنها من تمام سورة التكوير لاتحاد القصد فاتصالها بها واضح وقد مضى نظير هذا - انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.