في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المطففين مكية وآياتها ست وثلاثون

هذه السورة تصور قطاعا من الواقع العملي الذي كانت الدعوة تواجهه في مكة - إلى جانب ما كانت تستهدفه من إيقاظ القلوب ، وهز المشاعر ، وتوجيهها إلى هذا الحدث الجديد في حياة العرب وفي حياة الإنسانية ، وهو الرسالة السماوية للأرض ، وما تتضمنه من تصور جديد شامل محيط .

هذا القطاع من الواقع العملي تصوره السورة في أولها ، وهي تتهدد المطففين بالويل في اليوم العظيم ، ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) . . كما تصوره في ختامها وهي تصف سوء أدب الذين أجرموا مع الذين آمنوا ، وتغامزهم عليهم ، وضحكهم منهم ، وقولهم عنهم : ( إن هؤلاء لضالون ! ) .

وهذا إلى جانب ما تعرضه من حال الفجار وحال الأبرار ؛ ومصير هؤلاء وهؤلاء في ذلك اليوم العظيم .

وهي تتألف من أربعة مقاطع . . يبدأ المقطع الأول منها بإعلان الحرب على المطففين : ( ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ؛ وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ? يوم يقوم الناس لرب العالمين ? ) . .

ويتحدث المقطع الثاني عن الفجار في شدة وردع وزجر ، وتهديد بالويل والهلاك ، ودمغ بالإثم والاعتداء ، وبيان لسبب هذا العمى وعلة هذا الانطماس ، وتصوير لجزائهم يوم القيامة ، وعذابهم بالحجاب عن ربهم ، كما حجبت الآثام في الأرض قلوبهم ، ثم بالجحيم مع الترذيل والتأنيب : كلا . إن كتاب الفجار لفي سجين . وما أدراك ما سجين ? كتاب مرقوم . ويل يومئذ للمكذبين ! الذين يكذبون بيوم الدين . وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ، إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين . كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون . كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . ثم إنهم لصالوا الجحيم . ثم يقال : هذا الذي كنتم به تكذبون . .

والمقطع الثالث يعرض الصفحة المقابلة . صفحة الأبرار . ورفعة مقامهم . والنعيم المقرر لهم . ونضرته التي تفيض على وجوههم . والرحيق الذي يشربون وهم على الأرائك ينظرون . . وهي صفحة ناعمة وضيئة : ( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين . وما أدراك ما عليون ? كتاب مرقوم ، يشهده المقربون . إن الأبرار لفي نعيم ، على الأرائك ينظرون ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ، ختامه مسك - وفي ذلك فليتنافس المتنافسون - ومزاجه من تسنيم . عينا يشرب بها المقربون ) . .

والمقطع الأخير يصف ما كان الأبرار يلاقونه في عالم الغرور الباطل من الفجار من إيذاء وسخرية وسوء أدب . ليضع في مقابله ما آل إليه أمر الأبرار وأمر الفجار في عالم الحقيقة الدائم الطويل :

( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ، وإذا مروا بهم يتغامزون ، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا : إن هؤلاء لضالون . وما أرسلوا عليهم حافظين . فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون . هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ? ) . .

والسورة في عمومها تمثل جانبا من بيئة الدعوة ، كما تمثل جانبا من أسلوب الدعوة في مواجهة واقع البيئة ، وواقع النفس البشرية . . . وهذا ما سنحاول الكشف عنه في عرضنا للسورة بالتفصيل . .

( ويل للمطففين : الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم : يوم يقوم الناس لرب العالمين ? ) . .

تبدأ السورة بالحرب يعلنها الله على المطففين : ( ويل للمطففين ) . . والويل : الهلاك . وسواء كان المراد هو تقرير أن هذا أمر مقضي ، أو أن هذا دعاء . فهو في الحالين واحد فالدعاء من الله قرار . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المطففين

أهداف سورة المطففين

( سورة المطففين مكية ، وآياتها 32 آية ، وهي آخر سورة نزلت بمكة )

وهي سورة تعالج طغيان الغنى ، واستغلال الفقراء ، وتحارب تطفيف الكيل والميزان ، وتبين أن صحف أعمال الفجار في أسفل سافلين ، وأن كتاب أعمال الأبرار في أعلى عليين ، كما وصفت السورة النعيم المقيم الذي يتمتع به الأبرار في الجنة ، وبينت أن المجرمين كانوا يسخرون من المؤمنين في الدنيا ، وفي يوم القيامة يتغير الحال ، فيسخر المؤمن من الكافر ، ويتمتع المؤمن بألوان النعيم .

مقاطع السورة

تتألف المطففين من أربعة مقاطع :

المقطع الأول : يبدأ بإعلان الحرب على المطففين ، وتهديدهم بالجزاء العادل ، عند البعث والحساب . ( الآيات 1-6 ) .

المقطع الثاني : يتحدث عن الفجار في شدة وردع وزجر ، وتهديد بالويل والهلاك ، ودمغ بالإثم والاعتداء ، وبيان لسبب هذا العمى ، وعلة هذا الانطماس ، وتصوير لجزائهم يوم القيامة ، وعذابهم بالحجاب عن ربهم ، كما حجبت الآثام في الأرض قلوبهم . ( الآيات 7-17 ) .

المقطع الثالث : يعرض الصفحة المقابلة ، صفحة الأبرار ، ورفعة مقامهم ، والنعيم المقرر لهم ونضرته التي تفيض على وجوههم ، والرحيق الذي يشربونه وهم على الأرائك ينظرون ، وهي صفحة ناعمة وضيئة . ( الآيات 18-28 ) .

المقطع الرابع : يصف ما كان الأبرار يلقونه من استهزاء الفجار وسخريتهم وسوء أدبهم في دار الغرور ، ثم يقابل ذلك بما لقيه المؤمنون من التكريم ، وما لقيه المجرمون من عذاب الجحيم في يوم الدين . ( الآيات 29-36 ) .

من أسباب نزول السورة

كان تطفيف الكيل منتشرا في مكة والمدينة ، وهو يعبر عن جشع التجار وطعمهم ، ورغبتهم في بخس حق المشتري .

روى أنه كان بالمدينة رجل يقال له ( أبو جهينة ) ، له كيلان أحدهما كبير والآخر صغير ، فكان إذا أراد أن يشتري من أصحاب الزروع والحبوب والثمار اشترى بالكيل الكبير ، وإذا باع الناس كال للمشتري بالكيل الصغير . هذا الرجل وأمثاله ممن امتلأت نفوسهم بالطمع ، واستولى عليهم الجشع والنهم ، هم المقصودون بهذا الوعيد الشديد ، وهم الذين توعدهم النبي صلى الله عليه وسلم وتهددههم بقوله : ( خمس بخمس ) ، قيل : يا رسول الله ، وما خمس بخمس ؟ قال : ( ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت الفاحشة في قوم يتعامل بها علانية إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن فيمن قبلهم ، ولا طفف قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور الحكام ، وما منع قوة الزكاة إلا حبس عنهم المطر ) .

مع آيات السورة

1- هلاك وعذاب عظيم لهؤلاء الذين يبخسون الكيل والميزان .

والتطفيف لغة ، التقليل ، فالمطفف هو المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن ، وإنما قيل له مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف .

2- إذا كان لهم عند الناس حق في شيء يكال أو يوزن ، وأٍرادوا أخذه منهم لا يأخذونه إلا تامّا كاملا .

3- وإذا كان للناس حق عندهم في مكيل أو موزون أعطوهم ذلك الحق مع النقص والخسارة .

ويلحق بالمطففين كل عامل لا يؤدي عمله ، وإنما يحرص على الأجر كاملا ، ويلحق بهم من يستلم كاملا ويبخس حق العامل أو ينقص أجره ، وكذلك كل من يقصر في أداء واجبه .

وعن ابن عباس : الكيل أمانة ، والوزن أمانة ، والصلاة أمانة ، والزكاة أمانة ، فمن وفّى وفّي له ، ومن طفف فقد علمتم ما قاله الله في المطففين .

4-6- ألا يخطر بباب هؤلاء أن هناك يوما للبعث ، تظهر فيه هذه الأعمال التي يخفونها على الناس ، وأنهم سيبعثون في هذا اليوم الشديد الأهوال ، الذي يقوم فيه الناس من قبورهم للعرض على رب العالمين الذي خلقهم ويعلم سرهم وعلانيتهم .

7- 9- إن للشر سجلاّ دوّنت فيه أعمال الفجار ، وهو كتاب مسطور بيّن الكتابة ، وهذا السجل يشتمل عليه السجل الكبير المسمى بسجين ، كما تقول : إن كتاب حساب قرية كذا في السجل الفلاني المشتمل على حسابها وحساب غيرها من القرى .

والفجار هم المتجاوزون للحد في المعصية والإثم ، ولكل فاجر من هؤلاء الفجار صحيفة ، وهذه الصحائف في السجل العظيم المسمى سجين ، وهو عظيم الشأن له أهمية كبرى ، وهو كتاب مرقوم . أي : قد أثبتت فيه العلامات الدالة على الأعمال .

10 -13- هلاك وعذاب عظيم لهؤلاء المكذبين يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يؤمنون بيوم الحساب والجزاء ، الذي أخبرهم به عن رب العالمين .

وما يكذّب بهذا اليوم إلا من اعتدى على الحق ، وعمى عن الإنصاف ، واعتاد ارتكاب الآثام ، والإعراض عن الحق والهدى ، ولذلك إذا تليت عليه آيات القرآن ، أو أخبار البعث والجزاء أنكرها ، وقال : هذه أباطيل السابقين .

14- كلاّ . ليس كما يقولون ، بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون . أي : غطىّ على قلوبهم ما كانوا يكسبونه من الإثم والمعصية ، والقلب الذي يتعود على المعصية ينطمس ويظلم ، ويرين عليه غطاء كثيف ، يفقده الحساسية شيئا فشيئا حتى يتبلد ويموت .

روى الترمذيi والنسائي وابن ماجة : إن العبد إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه ، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو ، فهو الرّان الذي قال الله تعالى : كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون .

قول الحسن البصري : هو الذنب على الذنب يعمي القلب فيموت .

ثم يذكر شيئا عن مصيرهم يوم القيامة ، فيقول :

15 -17- كلاّ إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون* ثم إنهم لصالوا الجحيم* ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون .

فهم في يوم القيامة مطرودون من رحمة الله ، محرومون من رؤيته في الآخرة ، ثم إنهم يصلون عذاب جهنم ، مع التأنيب والتقريع على تكذيبهم الحق ، وإنكارهم البعث والجزاء ، فيقال لهم : هذا الذي كنتم به تكذبون .

18 -21- إن كتاب الأبرار محفوظ في سجل ممتاز في أعلى مكان في الجنة ، وما أعلمك ما هذا المكان ، فهو أمر فوق العلم والإدراك ، كتاب مسطورة فيه أعمالهم ، وهو موضع مشاهدة المقربين من الملائكة ، ومتعتهم بما فيه من كرائم الأفعال والصفات .

22- 28- إن الأبرار لفي نعيم . إن الأبرار المتقين الذين يؤمنون بالله ، ويعملون أنواع البر من القربات والطاعات ، هؤلاء ينعمون بنعيم الجنة ، وهم على الأسرّة في الحجال ينظرون إلى ما أعد لهم من النعيم ، وأقرب ما يمثل الأرائك عندنا ما نسميه " الناموسية أو الكلة " .

وترى على وجوههم آثار النعمة وبهجتها ، يسقون خمرا مختومة بالمسك ، وفي ذلك النعيم فليتسابق المتسابقون ، وليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة ربهم ، باتباع أوامره واجتناب نواهيه . وهذا الشراب المعد لهم ممزوج بشراب آخر ينصب عليهم من عين عالية ، يشرب منها المقربون إلى رضوان ربهم . وقد سئل ابن عباس عن هذا فقال : هذا مما قال الله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون . ( السجدة : 17 ) .

( وقصارى ما سلف : أنه سبحانه وصف النعيم الذي أعده للأبرار في دار كرامته بما تتطلع إليه النفوس ، وبما يشوقها إليه ، ليكون حضّا للذين يعملون الصالحات على الاستزادة من العمل والاستدامة عليه ، وحثا لهمم المقصرين ، واستنهاضا لعزائمهم أن يحرصوا على التزود من العمل الصالح ، ليكون لهم مثل ما لأولئك )ii .

29- 33- إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون . كنوا يضحكون منهم استهزاء بهم وسخرية منهم ، إما لفقرهم ورثاثة حالهم ، وإما لضعفهم عن رد الأذى ، وإما لترفعهم عن سفاهة السفهاء ، فكل هذا مما يثير ضحك الذين أجرموا ، وهم يتخذون المؤمنين مادة لسخريتهم أو فكاهتهم المرذولة .

وإذا مرّوا بهم يتغامزون . يغمز بعضهم لبعض بعينه ، أو يشير بيده ، أو يأتي بحركة متعارف عليها بينهم للسخرية من المؤمنين ، وإذا انقلب هؤلاء الضالون إلى أهلهم ، ورجعوا إلى بيوتهم ، رجعوا إليها فكهين متلذين بحكاية ما يعيبون به أهل الإيمان ، إذ يرمونهم بالسخافة وقلة العقل .

وإذا رأوهم قالوا هؤلاء لضالّون . أي : وإذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال ، لأنهم نبذوا العقائد الفاسدة ، وتركوا عبادة الأصنام . ولم يرسل الله الكفار رقباء على المؤمنين ، ولا كلّفهم بمحاسبتهم على أفعالهم ، فما لهم هم وهذا الوصف وهذا التقرير .

روي أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه جاء في نفر من المسلمين ، فرآه بعض هؤلاء الكفار ، فسخروا منه وممن معه ، وضحكوا منهم ، وتغامزوا بهم ، ثم رجعوا إلى بقية شيعتهم من أهل الشرك فحدثوهم بما صنعوا به وبأصحابه .

والآيات ترسم مشهدا لسخرية المجرمين من المؤمنين ، وقد يكون لنزولها سبب خاص ، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ففي الآيات تعبير واقعي عن سخرية القوي الفاجر من المؤمن الصابر ، مما يدل على أن طبيعة الفجار المجرمين واحدة متشابهة في موقفها من الأبرار في جميع البيئات والعصور .

يقول الإمام محمد عبده : ومن شأن القوي المستعزّ بكثرة أتباعه وقدرته ، أن يضحك ممن يخالفه في المنزع ، ويدعوه إلى غير ما يعرفه ، وهو أضعف منه قوة وأقل عددا ، كذلك شأن جماعة من قريش-كأبي جهل ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل وأتباعهم- وهكذا يكون شأن أمثالهم في كل زمان متى عمت البدع ، وتفرقت الشيع ، وخفي طريق الحق بين طرق الحق ، وجهل معنى الدين ، وأزهقت روحه من عباراته وأساليبه ، ولم يبق إلا ظواهر لا تطابقها البواطنiii .

34-36- فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون . أي : في يوم القيامة –والكفار محجوبون عن ربهم ، يقاسون ألم هذا الحجاب- يضحك المؤمنون ، ضحك من وصل به يقينه إلى مشاهدة الحق فسرّ به ، وينكشف للمؤمنين ما كانوا يرجون من إكرام الله لهم ، وخذلان أعدائهم ، على الأرائك ينظرون . وهم على سررهم في الجنة ينظرون إلى صنع الله بأعدائهم ، وإذلاله لمن كان يفخر عليهم ، وتنكيله بمن كان يهزأ بهم جزاء وفاقا .

هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون . أي أنهم ينظرون ليتحققوا : هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلون بهم في الدنيا ، وإنما سمي الجزاء على العمل ثوابا لأنه يرجع إلى صاحبه نظير ما عمل من خير أو شر .

وثوّب . مثل أثاب ، بمعنى جازي ، يقع في الخير وفي الشر ، وإن كان قد غلب على الثواب في الخير . أي : هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلون ؟

***

مقاصد السورة

1- وعيد المطففين .

2- بيان أن صحائف أعمال الفجار في أسفل سافلين .

3- بيان أن صحائف أعمال الأبرار في أعلى عليين .

4- وصف نعيم الأبرار في مآكلهم ومشاربهم ومساكنهم .

5- استهزاء المجرمين بالمؤمنين في الدنيا .

6- تضاحك المؤمنين منهم يوم القيامة .

7- نظر المؤمنين إلى المجرمين وهم يلقون جزاءهم ، وما أعدّ لهم من النكال .

وعيد المطففين

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ويل للمطفّفين 1 الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون 2 وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون 3 ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون 4 ليوم عظيم 5 يوم يقوم الناس لرب العالمين 6 }

المفردات :

ويل : هلاك وبوار وعذاب ، أو مقر في جهنم .

للمطففين : المنقصين في الكيل أو الوزن ، وأصله من الطفيف ، وهو الشيء اليسير ، لأنه لا يكاد يأخذ إلا الشيء اليسير .

1

التفسير :

1- ويل للمطفّفين .

الويل واد في جهنم ، بعيد قراره ، شديد عذابه ، ويطلق الويل على الهلاك والعذاب ، أي عذاب شديد للمطففين الذين يظلمون الناس في المعاملة ، حيث يستوفون حقهم كاملا وربما زائدا ، ولا يوفّون حقوق الناس بل يظلمونهم .

والسورة مكية ، وقيل مدنية ، وربما كانت من أواخر ما نزل بمكة ، أو أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ليرتدع الناس عن تطفيف الكيل والميزان .

التطفيف في مكة

كانت في مكة طائفة من الأغنياء الأقوياء يحتكرون التجارة . ويستوفون حقهم كاملا ، ويبيعون للناس كيلا ناقصا أو وزنا ناقصا ، وقد جاء الإسلام عقيدة وشريعة ، أي ينظم علاقة الناس بالله ، وينظم علاقة الناس بالناس ، فحارب تطفيف الكيل والميزان ، وتوعّد هؤلاء القساة الظالمين بعذاب شديد .

التطفيف في المدينة

كان التطفيف موجودا في المدينة ، فلما أنزل الله سورة المطففين ارتدع أهل المدينة ، وتركوا التطفيف .

وروح القرآن توضح أن التطفيف محرّم ، وكذلك كل ظلم وغبن محرّم ، فمن يأخذ حقه كاملا ولا يؤدي عمله سليما منضبطا فهو مطفف ، ومن يؤجّر عاملا فيستوفي عمله ، ولا يعطيه أجره كاملا فهو مطفف ، وكذلك الصلاة أمانة ، والصوم أمانة ، والزكاة أمانة ، والكيل أمانة ، والوزن أمانة ، فمن وفّى وفّي له ، ومن طفف فقد رأينا ما قاله الله في المطففين .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المطففين مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل . ومدنية في قول الحسن وعكرمة . وهي ست وثلاثون آية .

قال مقاتل : وهي أول سورة نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : مدنية إلا ثماني آيات من قوله : " إن الذين أجرموا " إلى آخرها مكي . وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة .

فيه أربع مسائل :

الأولى- روى النسائي عن ابن عباس قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ، فأنزل الله تعالى : " ويل للمطففين " فأحسنوا الكيل بعد ذلك . قال الفراء : فهم من أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا . وعن ابن عباس أيضا قال : هي : أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة ، وكان هذا فيهم ، كانوا إذا اشتروا استوفوا بكيل راجح ، فإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان ، فلما نزلت هذه السورة انتهوا ، فهم أو في الناس كيلا إلى يومهم هذا . وقال قوم : نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة ، واسمه عمرو ، كان له صاعان يأخذ بأحدهما ، ويعطي بالآخر ، قاله أبو هريرة رضي الله عنه .

الثانية- قوله تعالى : " ويل " أي شدة عذاب في الآخرة . وقال ابن عباس : إنه واد في جهنم يسيل فيه صديد . أهل النار ، فهو قوله تعالى : " ويل للمطففين " أي الذين ينقصون مكاييلهم وموازينهم . وروي عن ابن عمر قال : المطفف : الرجل يستأجر المكيال وهو يعلم أنه يحيف في كيله فوزره عليه . وقال آخرون : التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث . في الموطأ قال مالك : ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف . وروى عن سالم ابن أبي الجعد قال : الصلاة بمكيال ، فمن أوفى له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك : " ويل للمطففين " .

الثالثة- قال أهل اللغة : المطفف مأخوذ من الطفيف ، وهو القليل ، والمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصانه عن الحق ، في كيل أو وزن . وقال الزجاج : إنما قيل للفاعل من هذا مطفف ؛ لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف ، وإنما أخذ من طف الشيء وهو جانبه . وطفاف المكوك وطفافه بالكسر والفتح : ما ملأ أصباره ، وكذلك طف المكوك وطففه ، وفي الحديث : ( كلكم بنو آدم طَفَّ الصاعِ لم تملئوه ) وهو أن يقرب أن يمتلئ فلا يفعل ، والمعنى بعضكم من بعض قريب ، فليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى . والطفاف والطفافة بالضم : ما فوق المكيال . وإناء طفاف : إذا بلغ الملء طفافه . تقول منه : أطففت . والتطفيف : نقص المكيال وهو ألا تملأه إلى أصباره ، أي جوانبه . يقال : أدهقت الكأس إلى أصبارها أي إلى رأسها . وقول ابن عمر حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبق الخيل : كنت فارسا يومئذ فسبقت الناس حتى طفف بي الفرس مسجد بني زريق ، حتى كاد يساوي المسجد . يعني : وثب بي .

الرابعة- المطفف : هو الذي يخسر في الكيل والوزن ، ولا يوفي حسب ما بيناه . وروى ابن القاسم عن مالك : أنه قرأ " ويل للمطففين " فقال : لا تطفف ولا تخلب{[15843]} ، ولكن أرسل وصب عليه صبا ، حتى إذا استوفى{[15844]} أرسل يدك ولا تمسك . وقال عبد الملك بن الماجشون : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الطفاف ، وقال : إن البركة في رأسه . قال : وبلغني أن كيل فرعون كان مسحا بالحديد .


[15843]:كذا في الأصول: أي لا تغش وفي ابن العربي (ولا تجلب).
[15844]:في أ، ح، ز، ط، ل، وابن العربي: "استوى".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التطفيف{[1]}

مقصودها شرح آخر الانفطار بأنه لابد من دينونة العباد يوم التناد بإسكان الأولياء أهل الرشاد دار النعيم ، والأشقياء أهل الضلال والعناد غار الجحيم ، ودل على ذلك بأنه مربيهم والمحسن إليهم بعموم النعمة ، ولا يتخيل عاقل أن أحدا يربي أحدا من غير سؤال عما{[2]}حمله إياه وكلفه به ولا أنه لا ينصف بعض من يربيهم من بعض ، واسمها التطفيف أدل{[3]} ما فيها/ على ذلك { بسم الله } الذي له الحكمة البالغة والقدرة الكاملة { الرحمن } الذي عم بنعمة الإيجاد والبيان الشاملة { الرحيم* } الذي أكرم حزبه بالتوفيق{[4]} لحسن المعاملة .

ولما{[72102]} ختم الانفطار بانقطاع الأسباب وانحسام الأنساب{[72103]} يوم الحساب-{[72104]} ، وأبلغ في التهديد بيوم الدين وأنه لا أمر لأحد معه ، وذكر الأشقياء والسعداء ، وكان أعظم ما يدور{[72105]} بين العباد{[72106]} المقادير ، وكانت المعصية بالبخس فيها من أخس المعاصي وأدناها ، حذر من الخيانة فيها وذكر ما أعد لأهلها وجمع إليهم كل من اتصف بوصفهم فحلمه وصفه على نوع من المعاصي ، كل ذلك تنبيهاً للأشقياء الغافلين على ما هم فيه من السموم الممرضة المهلكة ، ونبه على{[72107]} الشفاء لمن أراده فقال-{[72108]} : { ويل } أي هلاك ثابت عظيم في كل حال من أحوال الدنيا والآخرة { للمطففين } أي الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون حقوق الناس ، وفي ذلك تنبيه على أن أصل الآفات الخلق السيىء وهو حب الدنيا الموقع في جمع الأموال من غير وجهها ولو بأخس الوجوه : التطفيف الذي لا يرضاه ذو مروءة وهم{[72109]} من يقاربون ملء الكيل وعدل الوزن ولا يملؤون ولا يعدلون ، وكأنه من الإزالة أي أزال ما أشرف من أعلى الكيل ، من الطف ، وهو ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق ، ومنه ما في حديث ابن عمر{[72110]} رضي الله تعالى عنهما قال : كنت فارساً فسبقت الناس حتى طفت{[72111]} لي الفرس مسجد بني زريق - يعني أن الفرس وثب حتى كاد يساوي المسجد ، ويقال : طف الرجل الحائط - إذا علاه ، أو من القرب ، من قولهم : أخذت من متاعي ما خف وطف ، أي قرب مني ، وكل شيء أدنيته من شيء فقد أطففته ، والطفاف من الإناء وغيره : ما قارب أن يملأه ، ولا يتم ملأه ، وفي الحديث : " كلكم بنو آدم طف الصاع " ، أو من الطفف وهو التقتير ، يقال : طفف عليه تطفيفا - إذا قتر عليه ، أو من الطفيف وهو من الأشياء الخسيسة{[72112]} الدون والقليل ، فكأن التضعيف للإزالة على المعنى الأول كما مضى ، وللمقاربة الكثيرة على المعنى الثاني أي أنه يقار ملء المكيال مقاربة كبيرة مكراً وخداعاً حتى يظن صاحب الحق أنه-{[72113]} وفى ولا يوفي ، يقال : أطف فلان لفلان - إذا أراد ختله ، وإذا نهى عن هذا فقد نهى عما نقص أكثر بمفهوم الموافقة ، وعلى المعنى{[72114]} الثالث بمعنى التقتير والمشاححة في{[72115]} الكيل ، وعلى المعنى الرابع بمعنى التنقيص والتقليل فيه ، وكأنه اختير هذا اللفظ لأنه لا يكاد يسرق{[72116]} في الميزان والمكيال إلا الشيء-{[72117]} اليسير جداً ، هذا أصله في اللغة


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[72102]:من م، وفي الأصل و ظ: ولما.
[72103]:من ظ و م، وفي الأصل: الأسباب.
[72104]:زيد من ظ و م.
[72105]:زيد في الأصل: ما، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72106]:زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ و م فحذفناها.
[72107]:زيد في الأصل: أن، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72108]:زيد من ظ و م.
[72109]:من ظ و م، وفي الأصل: لا يرضا.
[72110]:من ظ و م، وفي الأصل: هو.
[72111]:من ظ و م، في الأصل: ابن عمرو.من م، وفي الأصل و ظ: طفف.
[72112]:من ظ و م، وفي الأصل: الخسيسة.
[72113]:زيد من ظ و م.
[72114]:من ظ و م، وفي الأصل: معنى.
[72115]:من ظ و م، وفي الأصل: على.
[72116]:من م، وفي الأصل و ظ: يشرف.
[72117]:زيد من ظ و م.