وعلى الرغم من هذه الجولة الضخمة التي أخذ الرجل المؤمن قلوبهم بها ؛ فقد ظل فرعون في ضلاله ، مصراً على التنكر للحق . ولكنه تظاهر بأنه آخذ في التحقق من دعوى موسى . ويبدو أن منطق الرجل المؤمن وحجته كانت من شدة الوقع بحيث لم يستطع فرعون ومن معه تجاهلها . فاتخذ فرعون لنفسه مهرباً جديداً :
( وقال فرعون : يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب . أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى . وإني لأظنه كاذباً . وكذلك زين لفرعون سوء عمله ، وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب ) . .
استمرار الرجل المؤمن في محاورة قومه .
{ وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب 36 أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب 37 وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد 38 يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار 39 من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب 40 *ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار41 تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار 42 لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار 43 فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد 44 فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآب فرعون سوء العذاب 45 النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب 46 }
ابن لي صرحا : بناء عاليا كالقصر ، من صرح الشيء إذا ظهر .
أبلغ الأسباب : الأبواب أو الطرق .
36- { وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب } .
بعد أن قدّم مؤمن آل فرعون نصيحته حاول فرعون البحث عن مخرج ، وحاول إيهام الناس أن يريد أن يبحث عن إله موسى .
فطلب من هامان أن يبني له صرحا عاليا مكشوفا ليشاهده من يراه ، يحاول البحث عن الطرق والأبواب التي يتوصل بها لرؤية إله موسى .
قوله تعالى : " وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا " لما قال مؤمن آل فرعون ما قال ، وخاف فرعون أن يتمكن كلام هذا المؤمن في قلوب القوم ، أوهم أنه يمتحن ما جاء به موسى من التوحيد ، فإن بان له صوابه لم يخفه عنهم ، وإن لم يصح ثبتهم على دينهم ؛ فأمر وزيره هامان ببناء الصرح . وقد مضى في " القصص " {[13376]} ذكره . " لعلي أبلغ الأسباب . أسباب السماوات "
ولما ذكر الطبع المذكور ، دل عليه بما ذكر من قول فرعون وفعله عطفاً على ما مضى من قوله وقول المؤمن ، فإنه قصد ما لا مطمع في نيله تيهاً وحماقة تكبراً وتجبراً لكثافة قلبه وفساد لبه ، فصار به ضحكة لكل من سمعه ، هذا إن كان ظن أنه يصل إلى ما أراد ، وإن كان قصد بذلك التلبيس على قومه للمدافعة عن اتباع موسى عليه السلام إلى وقت ما فقد نادى عليهم بالجهل ، والإغراق في قلة الحزم والشهامة والعقل ، فقال تعال : { وقال فرعون } أي بعد قول المؤمن هذا ، معرضاً عن جوابه لأنه لم يجد فيه مطعناً : { يا هامان } وهو وزيره { ابنِ } وعرفه بشدة اهتمامه به بالإضافة إليه في قوله : { لي صرحاً } أي بناء ظاهراً يعلوه لكل أحد .
قال البغوي : لا يخفى على الناظر وإن بعد . وأصله من التصريح وهو الإظهار ، وتعليله بالترجي الذي لا يكون إلا في الممكن دليل على أنه كان يلبس على قومه وهو يعرف الحق ، فإن عاقلاً لا يعد ما رامه في عداد الممكن العادي فقال : { لعلي أبلغ الأسباب * } أي التي لا أسباب غيرها لعظمها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.