في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (7)

ثم عقب على هذا التحدي بما يفيد أنهم غير صادقين فيما يدعون ، وأنهم يعرفون أنهم لم يقدموا بين أيديهم ما يطمئنون إليه ، وما يرجون الثواب والقربى عليه ، إنما قدموا المعصية التي تخيفهم من الموت وما وراءه . والذي لم يقدم الزاد يجفل من ارتياد الطريق :

( ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ يَتَمَنّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدّمَتْ أَيْديهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَلا يَتَمَنّوْنَهُ أبَدا يقول : ولا يتمنى اليهود الموت أبدا بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ يعني : بما اكتسبوا في هذه الدنيا من الاَثام ، واجترحوا من السيئات وَاللّهُ عَلِيمٌ بالظّالِمِينَ يقول : والله ذو علم بمن ظلم من خلقه نفسه ، فأوبقها بكفره بالله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (7)

اعتراض بين جملتي القولين قصد به تحديهم لإِقامة الحجة عليهم أنهم ليسوا أولياء لله .

وليس المقصود من هذا معذرة لهم من عدم تمنيهم الموت وإنما المقصود زيادة الكشف عن بطلان قولهم : { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] وإثبات أنهم في شك من ذلك كما دل عليه استدلال القرآن عليهم بتحققهم أن الله يعذبهم بذنوبهم في قوله تعالى : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم } . وقد مرّ ذلك في تفسير سورة العقود ( 18 ) .

والباء في { بما قدمت أيديهم } سببية متعلقة بفعل { يتمنونه } المنفي فما قدمت أيديهم هو سَبب انتفاء تمنيهم الموت ألقى في نفوسهم الخوف مما قدمت أيديهم فكان سبب صرفهم عن تمنّي الموت لتقدم الحجة عليهم .

و ( ما ) موصولة وعائدة الصلة محذوف وحذفه أغلبي في أمثاله .

والأيدي مجاز في اكتساب الأعمال لأن اليد يلزمها الاكتساب غالباً . وَمَصْدَقُ « ما قدمت أيديهم » سيئاتهم ومعاصيهم بقرينة المقام .

وتقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة وما ذكرتُه هنا أتم مما هنالك فاجمع بينهما .

والتقديم : أصله جعل الشيء مقدَّماً ، أي سابقاً غيرَه في مكان يقعوه فيه غيره . واستعير هنا لما سلف من العمل تشبيهاً له بشيء يسبِّقه المرء إلى مكان قبل وصوله إليه .

وجملة { والله عليم بالظالمين } ، أي عليم بأحوالهم وبأحوال أمثالهم من الظالمين فشمل لفظ الظالمين اليهود فإنهم من الظالمين . وقد تقدم معنى ظلمهم في الآية قبلها . وقد وصف اليهود بالظالمين في آيات كثيرة ، وتقدم عند قوله تعالى : { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } [ البقرة : 140 ] والمقصود أن إحجامهم عن تمنّي الموت لما في نفوسهم من خوف العقاب على ما فعلوه في الدنيا ، فكني بعلم الله بأحوالهم عن عدم انفلاتهم من الجزاء عليها ففي هذا وعيد لهم .