في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ} (11)

وما تكاد هذه الكلمات تقال ؛ وما يكاد الرسول يسلم الأمر لصاحبه الجليل القهار ، حتى تشير اليد القادرة القاهرة إلى عجلة الكون الهائلة الساحقة . . فتدور دورتها المدوية المجلجلة :

( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر . وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ) . .

وهي حركة كونية ضخمة غامرة تصورها ألفاظ وعبارات مختارة . تبدأ بإسناد الفعل إلى الله مباشرة : ( ففتحنا )فيحس القارئ يد الجبار تفتح ( أبواب السماء ) . . بهذا اللفظ وبهذا الجمع . ( بماء منهمر ) . . غزير متوال .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السّمَآءِ بِمَاءٍ مّنْهَمِرٍ * وَفَجّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى المَآءُ عَلَىَ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } .

يقول تعالى ذكره : فَفَتَحْنا لما دعانا نوح مستغيثا بنا على قومه أبْوَابَ السّماءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وهو المندفق ، كما قال امرؤ القيس في صفة غيث :

رَاحَ تَمْرِيه الصّبا ثُمّ انْتَحَى *** فِيهِ شُؤْبُوبُ جنوبٍ مُنْهَمِرْ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ قال : ينصبّ انصبابا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ} (11)

وقرأ جمهور القراء : «ففتَحنا » بتخفيف التاء . وقرأ ابن عامر وأبو جعفر والأعرج : «ففتّحنا » بشدها على المبالغة ورجحها أبو حاتم لقوله تعالى : { مفتحة لهم الأبواب }{[10765]} [ ص : 50 ] ، قال النقاش : يعني بالأبواب المجرة وهي شرج السماء كشرج العيبة{[10766]} ، وقال قوم من أهل التأويل : الأبواب حقيقة فتحت في السماء أبواب جرى منها الماء . وقال جمهور المفسرين : بل هو مجاز وتشبيه ، لأن المطر كثر كأنه من أبواب . والمنهمر الشديد الوقوع الغزير . قال امرؤ القيس : [ الرمل ]

راح تمْريه الصبا ثم انتحى . . . فيه شؤبوب جنوب منهمر{[10767]} .


[10765]:من الآية(50) من سورة (ص).
[10766]:العيبة وعاء من جلد ونحوه يكون فيه المتاع، وهو ما يسمى "الحقيبة"، وشرج العيبة: عُروتها، فإذا أدخلت عُراها بعضها في بعض قيل: شرجتها، والمراد الفتحات التي تكون في الحقيبة إذا تركت عُراها بدون إحكام بإدخال بعضها في بعض فإن هذه الفتحات تكون كالأبواب، تصوروا للسماء فتحات مثل فتحات التي تكون في الحقيبة.
[10767]:هذا بيت من ثمانية أبيات قالها امرؤ القيس في صوف الغيث، وقيل عنها في الديوان:"هذا أشعر ما جاء في وصفه"، ورواية الديوان:"منفجر" بدلا من "مُنهمر"، وعلى هذا فلا شاهد فيه، ويكون الشاهد في البيت السابق كما جاء في الديوان وهو: ساعة ثم انتحاها وابل ساقط الأكناف واه منهمر ومعنى "راح": عاد السحاب بالمطر آخر النهار، وتمريه: تستدره، وأصله من مري الضرع، وهو مسحه باليد حتى يدر اللبن، وكذلك السحاب حين تضربه ريح الصبا الباردة يتجمع ويتكاثف فيسقط مطرا، فكأن ريح الصَّبا الباردة يتجمع ويتكاثف فيسقط مطرا، فكأن ريح الصبا مرته لينزل منه الماء، ثم جاءت الجنوب مُحملة بالأمطار من بحر الهند فأضافت إلى هذا السحاب ومطره شؤبوبا آخر يتفجر وينزل بكثرة وشدة. وقد خص ريح الصبا لأنهم يمطرون بها، وذكر ريح الجنوب لأن مطرها يكون غزيرا متدفقا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ} (11)

وجملة { ففتحنا أبواب السماء } إلى آخرها مفرعة على جملة { فدعا ربه } ، ففهم من التفريع أن الله استجاب دعوته وأن إرسال هذه المياه عقاب لقوم نوح . وحاصل المعنى : فأرسلنا عليهم الطوفان بهذه الكيفية المحكمة السريعة .

وقرأ الجمهور { ففتحنا } بتخفيف التاء . وقرأه ابن عامر بتشديدها على المبالغة . والفتح بمعنى شدة هطول المطر .

وجملة { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } مركب تمثيلي لهيئة اندفاق الأمطار من الجو بهيئة خروج الجماعات من أبواب الدار على طريقة :

وسالتْ بأعناق المطيّ الأباطح

والمنهمر : المنصب ، أي المصبوب يقال : عمرَ الماء إذا صبه ، أي نازل بقوة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فأجابه الله تعالى: {ففتحنا أبواب السماء}... {بماء منهمر} يعني منصب كثير...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فَفَتَحْنا لما دعانا نوح مستغيثا بنا على قومه" أبْوَابَ السّماءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ "وهو المندفق... عن سفيان "بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ" قال: ينصبّ انصبابا.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقال قوم من أهل التأويل: الأبواب حقيقة فتحت في السماء أبواب جرى منها الماء. وقال جمهور المفسرين: بل هو مجاز وتشبيه، لأن المطر كثر كأنه من أبواب. والمنهمر: الشديد الوقوع الغزير.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: المراد من الفتح والأبواب والسماء حقائقها أو هو مجاز؟ نقول فيه قولان؛

أحدهما: حقائقها وللسماء أبواب تفتح وتغلق ولا استبعاد فيه.

وثانيهما: هو على طريق الاستعارة، فإن الظاهر أن الماء كان من السحاب، وعلى هذا فهو كما يقول القائل: في المطر الوابل جرت ميازيب السماء وفتح أفواه القرب أي كأنه ذلك، فالمطر في الطوفان كان بحيث يقول القائل: فتحت أبواب السماء، ولا شك أن المطر من فوق.

...

...

...

...

...

...

....

....

المسألة الثالثة: الباء في قوله: {بماء منهمر} ما وجهه وكيف موقعه؟ نقول فيه وجهان؛ أحدهما: كما هي في قول القائل فتحت الباب بالمفتاح وتقديره هو أن يجعل كأن الماء جاء وفتح الباب وعلى هذا تفسير قول من يقول: يفتح الله لك بخير، أي يقدر خيرا يأتي، ويفتح الباب غاية الهطلان.

...

...

...

...

...

...

....

....

قوله تعالى: {ففتحنا} بيان أن الله انتصر منهم وانتقم بماء لا بجند أنزله، كما قال تعالى: {وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين، إن كانت إلا صيحة واحدة} بيانا لكمال القدرة...

{بماء منهمر} والانهمار الانسكاب والانصباب صبا شديدا، والتحقيق فيه أن المطر يخرج من السماء التي هي السحاب خروج مترشح من ظرفه، وفي ذلك اليوم كان يخرج خروج مرسل خارج من باب.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمنهمر: المنصب، أي المصبوب يقال: عمرَ الماء إذا صبه، أي نازل بقوة. فأرسلنا عليهم الطوفان بهذه الكيفية المحكمة السريعة.