في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (52)

33

وعند هذا الحد من تصوير تقلبات البشر وفق أهوائهم ، وعدم انتفاعهم بآيات الله التي يرونها ماثلة في الكون من حولهم ؛ وعدم إدراكهم لحكمة الله من وراء ما يشهدونه من وقائع وأحداث . . عند هذا يتوجه بالخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعزيه عن إخفاق جهوده في هداية الكثير منهم ؛ ويرد هذا إلى طبيعتهم التي لا حيلة له فيها ، وانطماس بصيرتهم وعماها .

( فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) .

وهو يصورهم موتى لا حياة فيهم ، صما لا سمع لهم ، عميا لا يهتدون إلى طريق . . والذي ينفصل حسه عن الوجود فلا يدرك نواميسه وسننه ميت لا حياة فيه . إنما هي حياة حيوانية ، بل أضل وأقل ، فالحيوان مهدي بفطرته التي قلما تخونه ! والذي لا يستجيب لما يسمع من آيات الله ذات السلطان النافذ في القلوب أصم ولو كانت له أذنان تسمعان ذبذبة الأصوات ! والذي لا يبصر آيات الله المبثوثة في صفحات الوجود أعمى ولو كانت له عينان كالحيوان !

( إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) . .

وهؤلاء هم الذين يسمعون الدعوة ، لأن قلوبهم حية ، وبصائرهم مفتوحة ، وإدراكهم سليم . فهم يسمعون فيسلمون . ولا تزيد الدعوة على أن تنبه فطرتهم فتستجيب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (52)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ وَلاَ تُسْمِعُ الصّمّ الدّعَآءَ إِذَا وَلّوْاْ مُدْبِرِينَ * وَمَآ أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مّسْلِمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فإنّكَ يا محمد لا تُسْمِعُ المَوْتَى يقول : لا تجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم ، وإنما هذا مثل معناه : فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم ، فسلبهم فهم ما يُتلى عليهم من مواعظ تنزيله ، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين قد سلبهم الله أسماعهم ، بأن تجعل لهم أسماعا .

وقوله : وَلا تُسْمِعُ الصّمّ الدّعاءَ يقول : وكما لا تقدر أن تُسمع الصمّ الذين قد سلبوا السمع الدعاء ، إذا هم وَلّوا عنك مدبرين ، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهمَ آيات كتابه ، لسماع ذلك وفهمه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : فإنّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَى : هذا مَثَل ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء ، كذلك لا يسمع الكافر . وَلا تُسْمِعُ الصّمّ الدّعاءَ إذَا وَلّوْا مُدْبِرِينَ يقول : لو أن أصمّ ولّى مدبرا ثم ناديته لم يسمع ، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (52)

وقوله تعالى : { فإنك لا تسمع الموتى } الآية استعارة للكافر وقد تقدم القول على مثل هذه الآية في سورة النمل{[9333]} ، وكلهم قرأ «ولا تُسمع » بتاء مضمومة ونصب «الصمَّ » ، وقرأ ابن كثير وعباس عن أبي عمرو «يَسمع » بياء مفتوحةً الصمُّ رفعاً .


[9333]:عند تفسير قوله تعالى في الآية 80: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (52)

الفاء للترتيب على قوله { لظلوا من بعده يكفرون } [ الروم : 51 ] المفيد أن الكفر غالب أحوالهم لأنهم بين كفر بالله وبين إعراض عن شكره ، أو الفاء فصيحة تدل على كلام مقدر ، أي إن كبر عليك إعراضهم وساءك استرسالهم على الكفر فإنهم كالموتى وإنك لا تسمع الموتى . وهذا معذرة للنبيء صلى الله عليه وسلم ونداء على أنه بذل الجهد في التبليغ . وفيما عدا الفاء فالآية نظير التي في آخر سورة النمل ونزيد هنا فنقول : إن تعداد التشابيه منظور فيه إلى اختلاف أحوال طوائف المشركين فكان لكل فريق تشبيه : فمنهم من غلب عليهم التوغل في الشرك فلا يصدقون بما يخالفه ولا يتأثرون بالقرآن والدعوة إلى الحق ؛ فهؤلاء بمنزلة الأموات أشباح بلا إدراك ، وهؤلاء هم دهماؤهم وأغلبهم ولذلك ابتدىء بهم . ومنهم من يُعرض عن استماع القرآن وهم الذين يقولون : { في ءاذاننا وقر } [ فصلت : 5 ] ويقولون : { لا تسمعوا لهذا القرآن والْغَوْا فيه } [ فصلت : 26 ] وهؤلاء هم ساداتهم ومدبّرو أمرهم يخافون إن أصْغوا إلى القرآن أن يملك مشاعرهم فلذلك يتباعدون عن سماعه ، ولهذا قُيِّد الذي شبهوا به بوقت توليهم مدبرين إعراضاً عن الدعوة ، فهو تشبيه تمثيل . ومنهم من سلكوا مسلك ساداتهم واقتفوا خُطاهم فانحَرفت أفهامهم عن الصواب فهم يسمعون القرآن ولا يستطيعون العمل به ، وهؤلاء هم الذين اعتادوا متابعة أهوائهم وهم الذين قالوا : { إنّا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على ءاثارهم مهتدون } [ الزخرف : 22 ] ويحصل من جميع ذلك تشبيه جماعتهم بجماعة تجمع أمواتاً وصماً وعمياً فليس هذا من تعدد التشبه لمشبهٍ واحد كالذي في قوله تعالى : { أو كصيب من السماء } [ البقرة : 19 ] .

وقرأ الجمهور : { ولا تسمع الصمّ } بتاء فوقية مضمومة وكسر ميم { تُسمِع } ونصب { الصمَّ } ، على أنه خطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وقرأه ابن كثير { ولا يَسمع الصمُّ } بتحتية مفتوحة وبفتح ميم { يسْمَع } ورفع { الصمّ } على الفاعلية ل { يَسمع } .