في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزۡقٗاۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} (13)

وفي ظل هذا المشهد يستطرد إلى شيء من صفة الله تناسب موقف الاستعلاء ويوجه المؤمنين في هذا المقام إلى التوجه إليه بالدعاء ، موحدين ، مخلصين له الدين كما يشير إلى الوحي للإنذار بيوم التلاقي والفصل والجزاء ، يوم يتفرد الله بالملك والقهر والاستعلاء :

( هو الذي يريكم آياته ، وينزل لكم من السماء رزقاً ، وما يتذكر إلا من ينيب . فادعوا الله مخلصين له الدين ، ولو كره الكافرون . رفيع الدرجات ، ذو العرش ، يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق . يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء . لمن الملك اليوم ? لله الواحد القهار . اليوم تجزى كل نفس بما كسبت . لا ظلم اليوم . إن الله سريع الحساب ) . .

وهو الذي يريكم آياته . . وآيات الله ترى في كل شيء في هذا الوجود . في المجالي الكبيرة من شمس وكواكب ، وليل ونهار ، ومطر وبرق ورعد . . وفي الدقائق الصغيرة من الذرة والخلية والورقة والزهرة . . وفي كل منها آية خارقة ، تتبدى عظمتها حين يحاول الإنسان أن يقلدها - بله أن ينشئها - وهيهات هيهات التقليد الكامل الدقيق ، لأصغر وأبسط ما أبدعته يد الله في هذا الوجود .

وينزل عليكم من السماء رزقاً . . عرف الناس منه المطر ، أصل الحياة في هذه الأرض ، وسبب الطعام والشراب . وغير المطر كثير يكشفه الناس يوماً بعد يوم . ومنه هذه الأشعة المحيية التي لولاها ما كانت حياة على هذا الكوكب الأرضي . ولعل من هذا الرزق تلك الرسالات المنزلة ، التي قادت خطى البشرية منذ طفولتها ونقلت أقدامها في الطريق المستقيم ، وهدتها إلى مناهج الحياة الموصولة بالله ، وناموسه القويم .

( وما يتذكر إلا من ينيب ) . . فالذي ينيب إلى ربه يتذكر نعمه ويتذكر فضله ويتذكر آياته التي ينساها غلاظ القلوب .

وعلى ذكر الإنابة وما تثيره في القلب من تذكر وتدبر يوجه الله المؤمنين ليدعوا الله وحده ويخلصوا له الدين ، غير عابئين بكره الكافرين :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزۡقٗاۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزّلُ لَكُم مّنَ السّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكّرُ إِلاّ مَن يُنِيبُ * فَادْعُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته وَيُنَزّلُ لَكُمْ مِنَ السّمَاءِ رِزْقا يقول ينزّل لكم من أرزاقكم من السماء بإدرار الغيث الذي يخرج به أقواتكم من الأرض ، وغذاء أنعامكم عليكم وَما يَتَذَكّرُ إلاّ مَنْ يُنِيبُ يقول : وما يتذكر حجج الله التي جعلها أدلة على وحدانيته ، فيعتبر بها ويتعظ ، ويعلم حقيقة ما تدلّ عليه ، إلا من ينيب ، يقول : إلا من يرجع إلى توحيده ، ويقبل على طاعته ، كما :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إلاّ مَنْ يُنِيبُ قال : من يقبل إلى طاعة الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزۡقٗاۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} (13)

هذه ابتداء مخاطبة في معنى توحيد الله تعالى وتبيين علامات ذلك ، وآيات الله : تعم آيات قدرته وآيات قرآنه والمعجزات الظاهرة على أيدي رسله . وتنزيل الرزق : هو في تنزيل المطر وفي تنزيل القضاء والحكم ، قيل ما يناله المرء في تجارة وغير ذلك وقرأ جمهور الناس : «ويُنْزِل » بالتخفيف . وقرأ الحسن والأعرج وعيسى وجماعة : «وينَزِّل » بفتح النون وشد الزاي .

وقوله تعالى : { وما يتذكر إلا من ينيب } معناه : وما يتذكر تذكراً يعتد به وينفع صاحبه ، لأنا نجد من لا ينيب يتذكر ، لكن لما كان ذلك غير نافع عد كأنه لم يكن .