في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} (76)

أما أهل هاتين الجنتين فنحن ننظرهما :

( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ) . . والرفرف الأبسطة وكأنها من صنع [ عبقر ] لتقريب وصفها إلى العرب ، وقد كانوا ينسبون كل عجيب إلى وادي الجن : عبقر ! ولكن المتكآت هناك بطائنها من إستبرق .

وهناك جنى الجنتين دان فهما مرتبتان مختلفتان !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} (76)

القول في تأويل قوله تعالى : { مُتّكِئِينَ عَلَىَ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسَانٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } .

يقول تعالى ذكره : ينعم هؤلاء الذين أكرمهم جلّ ثناؤه هذه الكرامة التي وصفها في هذه الاَيات في الجنتين اللتين وصفهما مُتّكِئِينَ على زَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسانِ .

واختلف أهل التأويل في معنى الرفرف ، فقال بعضهم : هي رياض الجنة ، واحدتها : رفرفة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير أنه قال فِي هذه الاَية مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : رياض الجنة .

حدثنا عباس بن محمد ، قال : حدثنا أبو نوح ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير ، مثله .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا سعيد بن جُبَير ، فِي قوله : مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : الرفرف : رياض الجنة .

وقال آخرون : هي المحابس . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْر يقول : المحابس .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : الرفرف : فضول المحابس والبسط .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : مُتّكِئينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : هي البسط أهل المدينة يقولون : هي البسط .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كُهيل الحضرميّ ، عن رجل يقال له غزوان رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : فضول المحابس .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن هارون ، عن عنترة ، عن أبيه ، قال : فضول الفُرُش والمحابس .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن مروان ، في قوله : رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : فضول المحابس .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : الرفرف الخضر : المحابس .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : محابس خضر .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : هي المحابس .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مُتّكِئِينَ على رَفرَفٍ خُضْرٍ قال : الرفرف : المحابس .

وقال آخرون : بل هي المرافق .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : الرفرف : مرافق خُضْر ، وأما العبقريّ ، فإنه الطنافس الثخان ، وهي جماع ، واحدها : عبقرية . وقد ذُكر أن العرب تسمي كل شيء من البسط عبقريا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : الزرابيّ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : العبقريّ : الزرابيّ الحسان .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير ، في قوله : عَبْقَرِيَ حِسانٍ قال : العبقريّ : عتاق الزرابيّ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : العبقريّ . الزرابيّ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة عَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : الزرابيّ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : زرابيّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : العبقريّ : الطنافس .

وقال آخرون : العبقريّ : الديباج . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : هو الديباج . والقرّاء في جميع الأمصار على قراءة ذلك على رَفْرَفٍ خُضْر وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ بغير ألف في كلا الحرفين . وذُكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبر غير محفوظ ، ولا صحيح السند «على رَفارِفَ خُضْرٍ وعَباقِرِيّ » بالألف والإجراء . وذُكر عن زُهير الفرقبي أنه كان يقرأ «على رَفارِفَ خُضْرٍ » بالألف وترك الإجراء «وَعَباقِرِيّ حِسانٍ » بالألف أيضا ، وبغير إجراء . وأما الرفارف في هذه القراءة ، فإنها قد تحتمل وجه الصواب . وأما العباقريّ ، فإنه لا وجه له في الصواب عند أهل العربية ، لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف ، ولا ثلاثة صحاح . وأما القراءة الأولى التي ذُكرت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلو كانت صحيحة ، لوجب أن تكون الكلمتان غير مجراتين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} (76)

متكئين على رفرف وسائد أو نمارق جمع رفرفة وقيل لرفرف ضرب من البسط أو ذيل الخيمة وقد يقال لكل ثوب عريض خضر وعبقري حسان العبقري منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد للجن فينسبون إليه كل شيء عجيب والمراد به الجنس ولذلك جمع حسان حملا على المعنى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} (76)

و { متكئين } : حال من { ولمن خاف مقام ربه } كررت بدون عطف لأنها في مقام تعداد النعم وهو مقام يقتضي التكرير استئنافاً .

والرفرف : ضرب من البسط ، وهو اسم جمع رَفرفة ، وهي ما يبسط على الفراش ليُنام عليه ، وهي تنسج على شبه الرياض ويغلب عليها اللون الأخضر ، ولذلك شبه ذو الرمة الرياض بالبسط العبقرية في قوله :

حتّى كأنَّ رياض القُف ألبسَها *** مِن وَشْي عَبقَرَ تجْليل وتنجيد

فوصفها في الآية بأنها { خضر } وصف كاشف لاستحضار اللون الأخضر لأنه يسرّ الناظر .

وكانت الثياب الخضر عزيزة وهي لباس الملوك والكبراء ، قال النابغة :

يصونون أجساداً قديماً نعيمُها *** بخالصة الأرْدَان خُضْرِ المناكب

وكانت الثياب المصبوغة بالألوان الثابتة التي لا يزيلها الغسل نادرة لقلة الأصباغ الثابتة ولا تكاد تعدو الأخضر والأحمر ويسمّى الأرجواني .

وأما المتداول من إصباغ الثياب عند العرب فهو ما صُبغ بالورس والزعفران فيكون أصفر ، وما عدا ذلك فإنما لونه لون ما ينسج منه من صوف الغنم أبيض أو أسود أو من وبر أو من كتان أبيض أو كان من شَعَر المعز الأسود .

و { حسان } : جمع حسناء وهو صفة ل { رفرف } إذ هو اسم جمع .

وعبقري : وصف لما كان فائقاً في صنفه عزيز الوجود وهو نسبة إلى عبقر بفتح فسكون ففتح اسم بلاد الجنّ في معتقد العرب فَنَسَبوا إليه كل ما تجاوز العادة في الإِتقان والحسن ، حتى كأنه ليس من الأصناف المعروفة في أرض البشر ، قال زهير :

بِخَيْل عليها جِنة عبقرية *** جديرون يوماً أن ينَالوا ويسْتَعْلُوا

فشاع ذلك فصار العبقري وصفاً للفائق في صنفه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما حكاه من رؤيا القليب الذي استسقَى منه « ثم أخذها ( أي الذَنوبَ ) عُمر فاستحالت غَرباً فلم أَرَ عَبقَريًّا يَفري فَرِيَّة » . وإلى هذا أشار المعري بقوله :

وقد كان أرباب الفصاحة كلما *** رَأوا حَسَناً عَدُّوه من صنعَة الجن

فضربه القرآن مثلاً لما هو مألوف عند العرب في إطلاقه .