في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ} (47)

وفي النهاية يجيء ذلك التهديد الرعيب ، لمن يفتري على الله في شأن العقيدة وهي الجد الذي لا هوادة فيه . يجيء لتقرير الإحتمال الواحد الذي لا احتمال غيره ، وهو صدق الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وأمانته فيما أبلغه إليهم أو يبلغه . بشهادة أن الله لم يأخذه أخذا شديدا . كما هو الشأن لو انحرف أقل انحراف عن أمانة التبليغ :

( ولو تقول علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين . فما منكم من أحد عنه حاجزين ) . .

ومفاد هذا القول من الناحية التقريرية أن محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] صادق فيما أبلغهم . وأنه لو تقول بعض الأقاويل التي لم يوح بها إليه ، لأخذه الله فقتله على هذا النحو الذي وصفته الآيات . ولما كان هذا لم يقع فهو لا بد صادق .

هذه هي القضية من الناحية التقريرية . . ولكن المشهد المتحرك الذي ورد فيه هذا التقرير شيء آخر ، يلقي ظلالا بعيدة وراء المعنى التقريري . ظلالا فيها رهبة وفيها هول . كما أن فيها حركة وفيها حياة . ووراءها إيحاءات وإيماءات وإيقاعات !

فيها حركة الأخذ باليمين وقطع الوتين . وهي حركة عنيفة هائلة مروعة حية في الوقت ذاته . ووراءها الإيحاء بقدرة الله العظيمة وعجز المخلوق البشري أمامها وضعفه . . البشر أجمعين . . كما أن وراءها الإيماء إلى جدية هذا الأمر التي لا تحتمل تسامحا ولا مجاملة لأحد كائنا من كان . ولو كان هو محمد الكريم عند الله الأثير الحبيب . ووراءها بعد هذا كله إيقاع الرهبة والهول والخشوع !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنّهُ لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتّقِينَ * وَإِنّا لَنَعْلَمُ أَنّ مِنكُمْ مّكَذّبِينَ * وَإِنّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنّهُ لَحَقّ الْيَقِينِ * فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ } .

يقول تعالى ذكره : فما منكم أيها الناس من أحد عن محمد لو تقوّل علينا بعض الأقاويل ، فأخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه الوتين ، حاجزين يحجزوننا عن عقوبته ، وما نفعله به . وقيل : حاجزين ، فجمع ، وهو فعل لأحد ، وأحد في لفظ واحد ردّا على معناه ، لأن معناه الجمع ، والعرب تجعل أحدا للواحد والاثنين والجمع ، كما قيل لا نُفَرّقُ بَينَ أحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وبين : لا تقع إلا على اثنين فصاعدا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ} (47)

فما منكم من أحد عنه عن القتل أو المقتول حاجزين دافعين وصف لأحد فإنه عام والخطاب للناس .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ} (47)

والحاجز : المانع ، وجمع { حاجزين } على معنى { أحد } لأنه يقع على الجميع ، ونحوه قوله عليه السلام : «ولم تحل الغنائم لأحد سوى الرؤوس قبلكم »{[11304]} .


[11304]:أخرجه الترمذي في تفسير سورة الأنفال، وأحمد في مسنده (2/252)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم تحل الغنائم لقوم سود الرءوس قبلكم، كانت تنزل النار من السماء فتأكلها)، لأن يوم بدر أسرع الناس في الغنائم فأنزل الله عز وجل: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم، فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا}. راجع مسند أحمد.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ} (47)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ليس أحد منكم يحجز الرب عز وجل عن ذلك.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فما منكم أيها الناس من أحد عن محمد -لو تقوّل علينا بعض الأقاويل، فأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين- حاجزين يحجزوننا عن عقوبته، وما نفعله به.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ففي هذا يأس منه لأولئك الكفرة لأنهم كانوا يطعمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعهم وموافقتهم على ملتهم، فأخبر أنه لو أجابهم لقطع منه وتينه، وأخذه، لا يملكون منع ذلك عنه ولا دفعه، ولم يكن أحد ينصره عند ذلك، أو يحجزه عنها. وهو كقوله عز وجل {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} إلى قوله: {إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا} [الإسراء 73 و 74 و 75].

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فالحاجز هو الحائل بين الشيئين.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والحاجز: المانع.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 44]

وفي النهاية يجيء ذلك التهديد الرعيب، لمن يفتري على الله في شأن العقيدة وهي الجد الذي لا هوادة فيه. يجيء لتقرير الاحتمال الواحد الذي لا احتمال غيره، وهو صدق الرسول [صلى الله عليه وسلم] وأمانته فيما أبلغه إليهم أو يبلغه. بشهادة أن الله لم يأخذه أخذا شديدا. كما هو الشأن لو انحرف أقل انحراف عن أمانة التبليغ:

(ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين)..

ومفاد هذا القول من الناحية التقريرية أن محمدا [صلى الله عليه وسلم] صادق فيما أبلغهم. وأنه لو تقول بعض الأقاويل التي لم يوح بها إليه، لأخذه الله فقتله على هذا النحو الذي وصفته الآيات. ولما كان هذا لم يقع فهو لا بد صادق.

هذه هي القضية من الناحية التقريرية.. ولكن المشهد المتحرك الذي ورد فيه هذا التقرير شيء آخر، يلقي ظلالا بعيدة وراء المعنى التقريري. ظلالا فيها رهبة وفيها هول. كما أن فيها حركة وفيها حياة. ووراءها إيحاءات وإيماءات وإيقاعات!

فيها حركة الأخذ باليمين وقطع الوتين. وهي حركة عنيفة هائلة مروعة حية في الوقت ذاته. ووراءها الإيحاء بقدرة الله العظيمة وعجز المخلوق البشري أمامها وضعفه.. البشر أجمعين.. كما أن وراءها الإيماء إلى جدية هذا الأمر التي لا تحتمل تسامحا ولا مجاملة لأحد كائنا من كان. ولو كان هو محمد الكريم عند الله الأثير الحبيب. ووراءها بعد هذا كله إيقاع الرهبة والهول والخشوع!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمعنى: ما منكم أناس يستطيعون الحجز عنه. والحجز: الدفع والحيلولة، أي لا أحد منكم يحجزنا عنه. والضمير عائد إلى {رسول كريم} [الحاقة: 40]. و {مِن} في قوله: {مِن أحد} مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم. وذِكر {منكم} مع {عنه} تجنيس محرّف.

وهذه الآية دليل على أن الله تعالى لا يُبقي أحداً يدعي أن الله أوحى إليه كلاماً يبلغه إلى الناس، وأنه يعجل بهلاكه.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهكذا كانت الآيات حاسمة في مسألة تحريف القرآن بالزيادة عليه، بحيث لو كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هو الذي يقوم بذلك لتعرض لجزاء الله ولكنه (صلى الله عليه وسلم) الصادق في كلامه، لا يقول إلا حقاً وصدقاً، الأمين على كل شيء، لا سيّما على وحي الله، فلا يزيد فيه شيئاً، ولا يخون أمانة الله في كتابه، بل يقدّمه إلى الأمة كلها كما أنزله الله مصوناً من أيّة زيادة ومن أي نقصان.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وقد يتساءل البعض قائلا: إذا كان الموت الفوري والهلاك الحتمي هو عقوبة كلّ من يكذب على الله سبحانه، فهذا يستلزم هلاك جميع من يدّعي النبوّة كذباً وبسرعة، وهذا ما لم يلاحظ في حياتنا العملية، حيث بقي الكثير منهم لسنين طويلة. بل حتّى معتقداتهم الباطلة بقيت أيضاً فترة زمنية من بعدهم.

الجواب يتّضح جليّاً بالانتباه إلى ما يلي: وهو أنّ القرآن الكريم لم يقل بأنّ الله يهلك كلّ مدّع يدّعي النبوّة.. بل إنّه سبحانه خصّص هذه العقوبة لشخص الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما لو انحرف عن طريق الحقّ، فسوف لن يهمل لحظة واحدة، لأنّه يكون سبباً لضياع الرسالة وضلال الناس.

أمّا الأشخاص الذين يدّعون ادّعاءات باطلة، وليس لديهم أي دليل عليها، فليس هنالك ضرورة لأن يهلكهم الله فوراً، لأنّ بطلان ادّعاءاتهم واضح لكلّ من يطلب الحقّ، إلاّ أنّ الأمر يلتبس ويصعب حينما يكون الادّعاء بالنبوّة مقترناً بأدلّة ومعاجز دامغة كما هو بالنسبة للنبي الإلهي، فإنّ ذلك ممّا يؤدّي إلى الانحراف عن طريق الحقّ.

ومن هنا يتّضح بطلان ادّعاء بعض (الفرق الضالّة) لإثبات ما يقوله أسيادهم من خلال الاستشهاد بهذه الآية المباركة. فلو صحّ ذلك لكان (مسيلمة الكذّاب) وكلّ مدّع كاذب من أمثاله يستطيعون إثبات ادّعاءاتهم من خلال الاستدلال بهذه الآية أيضاً.