في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

57

ثم تتناوح في الجو صيحة من بعيد . صيحة تحمل كل معاني اليأس والكرب والضيق :

( ونادوا : يا مالك . ليقض علينا ربك ) . .

إنها صيحة متناوحة من بعد سحيق . من هناك من وراء الأبواب الموصدة في الجحيم . إنها صيحة أولئك المجرمين الظالمين . إنهم لا يصيحون في طلب النجاة ولا في طلب الغوث . فهم مبلسون يائسون . إنما يصيحون في طلب الهلاك . الهلاك السريع الذي يريح . . وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا ! . . وإن هذا النداء ليلقي ظلاً كثيفاً للكرب والضيق . وإننا لنكاد نرى من وراء صرخة الاستغاثة نفوساً أطار صوابها العذاب ، وأجساماً تجاوز الألم بها حد الطاقة ، فانبعثت منها تلك الصيحة المريرة : ( يا مالك . ليقض علينا ربك ) !

ولكن الجواب يجيء في تيئيس وتخذيل ، وبلا رعاية ولا اهتمام :

( قال : إنكم ماكثون ) !

فلا خلاص ولا رجاء ولا موت ولا قضاء . . إنكم ما كثون !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَنَادَوْاْ يَمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّكَ قَالَ إِنّكُمْ مّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقّ وَلََكِنّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَارِهُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ونادى هؤلاء المجرمون بعد ما أدخلهم الله جهنم ، فنالهم فيها من البلاء ما نالهم ، مالكا خازن جهنم يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال : ليمتنا ربك ، فيفرغ من إماتتنا ، فذكر أن مالكا لا يجيبهم في وقت قيلهم له ذلك ، ويدعهم ألف عام بعد ذلك ، ثم يجيبهم ، فيقول لهم : إنّكُمْ ماكِثُونَ . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الحسن ، عن ابن عباس وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ ، فأجابهم بعد ألف سنة إنّكُمْ ماكِثونَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن رجل من جيرانه يقال له الحسن ، عن نوف في قوله : وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال : يتركهم مئة سنة مما تعدّون ، ثم يناديهم فيقول : يا أهل النار إنكم ماكثون .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْض عَلَيْنَا رَبّكَ قال : فخلى عنهم أربعين عاما لا يجيبهم ، ثم أجابهم : إنّكمْ ماكِثُونَ : قالُوا رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنّا ظالِمُونَ فخلى عنهم مثلي الدنيا ، ثم أجابهم : اخْسَئُوا فِيها وَلا تُكَلّمُونِ قال : فوالله ما نبس القوم بعد الكلمة ، إن كان إلا الزفيرُ والشهيق .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي أيوب الأزدي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : إن أهل جهنم يدعون مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم ، ثم يقول : إنّكُمْ ماكِثُونَ ، ثم ينادون ربهم رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنّا ظالِمُونَ فيدعهم أو يخلي عنهم مثل الدنيا ، ثم يردّ عليهم اخْسَئُوا فِيها وَلا تُكَلّمُون قال : فما نبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفيرُ والشهيق في نار جهنم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن الحسن ، عن نوف وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال : يتركهم مئة سنة مما تعدّون ، ثم ناداهم فاستجابوا له ، فقال : إنكم ماكثون .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ ، في قوله : وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال : مالك خازن النار ، قال : فمكثوا ألف سنة مما تعدّون ، قال : فأجابهم بعد ألف عام : إنكم ماكثون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله تعالى ذكره : وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال : يميتنا ، القضاء ههنا الموت ، فأجابهم إِنّكُمْ مَاكِثُونَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

{ ونادوا يا مالك } وقرئ " يا مال " على الترخيم مكسورا ومضموما ، ولعله إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا فقالوا : { ليقض علينا ربك } والمعنى سل ربنا أن يقضي علينا من قضى عليه إذا أماته ، وهو لا ينافي إبلاسهم فإنه جؤار وتمن للموت من فرط الشدة { قال إنكم ماكثون } لا خلاص لكم بموت ولا بغيره .