في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ فَٱلۡحَقُّ وَٱلۡحَقَّ أَقُولُ} (84)

65

( قال : فالحق . والحق أقول . لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) . .

والله يقول الحق دائماً . والقرآن يقرر هذا ويؤكد الإشارة إليه في هذه السورة في شتى صوره ومناسباته . فالخصم الذين تسوروا المحراب على داود يقولون له : ( فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ) . . والله ينادي عبده داود : ( فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى ) . . ثم يعقب على هذا بالإشارة إلى الحق الكامن في خلق السماوات والأرض : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً . ذلك ظن الذين كفروا ) . . ثم يجيء ذكر الحق على لسان القوي العزيز : ( قال فالحق والحق أقول ) . . فهو الحق الذي تتعدد مواضعه وصوره ، وتتحد طبيعته وكنهه . ومنه هذا الوعد الصادق :

( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) . .

وهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم ، يخوضونها على علم . والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين . وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان . وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين . فأرسل إليهم المنذرين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ فَٱلۡحَقُّ وَٱلۡحَقَّ أَقُولُ} (84)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُولُ } :

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : ( قالَ فالحَقّ والحَقّ أقُولُ ) : فقرأه بعض أهل الحجاز وعامة الكوفيين برفع الحقّ الأوّل ، ونصب الثاني . وفي رفع الحقّ الأوّل إذا قُرىء كذلك وجهان : أحدهما رفعه بضمير لله الحقّ ، أو أنا الحقّ وأقول الحقّ . والثاني : أن يكون مرفوعا بتأويل قوله : لاَءَمَلأَنّ فيكون معنى الكلام حينئذٍ : فالحقّ أن أملأ جهنم منك ، كما يقول : عزمة صادقة لاَتينك ، فرفع عزمة بتأويل لاَتينك ، لأن تأويله أن آتيك ، كما قال : ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَيَسْجُنُنّهُ فلا بدّ لقوله : بَدَا لَهُمْ من مرفوع ، وهو مضمر في المعنى . وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين بنصب الحقّ الأوّل والثاني كليهما ، بمعنى : حقا لأملأن جهنم والحقّ أقول ، ثم أدخلت الألف واللام عليه ، وهو منصوب ، لأن دخولهما إذا كان كذلك معنى الكلام وخروجهما منه سواء ، كما سواء قولهم : حمدا لله ، والحمد لله عندهم إذا نصب . وقد يحتمل أن يكون نصبه على وجه الإغراء بمعنى : الزموا الحقّ ، واتبعوا الحقّ ، والأوّل أشبه لأن خطاب من الله لإبليس بما هو فاعل به وبتُبّاعه . وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، لصحة معنييهما .

وأما الحقّ الثاني ، فلا اختلاف في نصبه بين قرّاء الأمصار كلهم ، بمعنى : وأقول الحقّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله : ( فالحَقّ والحَقّ أقُولُ ) : يقول الله : أنا الحقّ ، والحقّ أقول .

وحُدثت عن ابن أبي زائدة ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : ( فالحَقّ والحَقّ أقُولُ ) : يقول الله : الحقّ مني ، وأقول الحقّ .

حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : حدثنا أبان بن تغلب ، عن طلحة اليامي ، عن مجاهد ، أنه قرأها : فالحَقّ بالرفع والحَقّ أقُولُ نصبا وقال : يقول الله : أنا الحقّ ، والحقّ أقول .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : ( الحَقّ والحَقّ أقُولُ ) : قال : قسم أقسم الله به .