البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ فَٱلۡحَقُّ وَٱلۡحَقَّ أَقُولُ} (84)

وقرأ الجمهور : فالحق والحق ، بنصبهما .

أما الأول فمقسم به ، حذف منه الحرف كقوله : { أمانة الله لأقومن } ، والمقسم عليه { لأملأن } . { والحق أقول } : اعتراض بين القسم وجوابه .

قال الزمخشري : ومعناه : ولا أقول إلا الحق .

انتهى ، لأن عنده تقدم المفعول يفيد الحصر .

والحق المقسم به إما اسمه تعالى الذي في قوله : { إن الله هو الحقّ المبين } أو الذي هو نقيض الباطل .

وقيل : فالحق منصوب على الإغراء ، أي فالزموا الحق ، ولأملأن : جواب قسم محذوف .

وقال الفراء : هو على معنى قولك : حقاً لا شك ، ووجود الألف واللام وطرحهما سواء ، أي لأملأن جهنم حقاً . انتهى .

وهذا المصدر الجائي توكيداً لمضمون الجملة ، لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة ، وذلك مخصوص بالجملة التي جزآها معرفتان جامدتان جموداً محضاً .

وقال صاحب البسيط : وقد يجوز أن يكون الخبر نكرة ، قال : والمبتدأ يكون ضميراً نحو : هو زيد معروفاْ ، وهو الحق بيننا ، وأنا الأمير مفتخراً ؛ ويكون ظاهراً كقولك : زيد أبوك عطوفاً ، وأخوك زيد معروفاً . انتهى .

وقالت العرب : زيد قائم غير ذي شك ، فجاءت الحال بعد جملة ، والخبر نكرة ، وهي حال مؤكدة لمضمون الجملة ، وكأن الفراء لم يشترط هذا الذي ذكره أصحابنا من كون المبتدأ والخبر معروفين جامدين ، لأنه لا فرق بين تأكيد مضمون الجملة الابتدائية وبين تأكيد الجملة الفعلية .

وقيل : التقدير فالحق الحق ، أي افعله .

وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، والأعمش : بالرفع فيهما ، فالأول مبتدأ خبره محذوف ، قيل : تقديره فالحق أنا ، وقيل : فالحق مني ، وقيل : تقديره فالحق قسمي ، وحذف كما حذف في : لعمرك لأقومن ، وفي : يمين الله أبرح قاعداً ، أي لعمرك قسمي ويمين الله قسمي ، وهذه الجملة هي جملة القسم وجوابه : لأملأن .

وأما { والحق أقول } فمبتدأ أيضاً ، خبره الجملة ، وحذف العائد ، كقراءة ابن عباس : { وكلاًّ وعد الله الحسنى } وقال ابن عطية : أما الأول فرفع على الابتداء ، وخبره في قوله : { لأملأن } ، لأن المعنى : أن أملأ . انتهى .

وهذا ليس بشيء ، لأن لأملأن جواب قسم ، ويجب أن يكون جملة ، فلا يتقدر بمفرد .

وأيضاً ليس مصدراً مقدراً بحرف مصدري ، والفعل حتى ينحل إليهما ، ولكنه لما صح له إسناد ما قدر إلى المبتدأ ، حكم أنه خبر عنه .

وقرأ الحسن ، وعيسى ، وعبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر : بجرهم ، ويخرج على أن الأول مجرور بواو القسم محذوفة تقديره : فوالحق ، والحق معطوف عليه ، كما تقول : والله والله لأقومن ، وأقوال اعتراض بين القسم وجوابه .

وقال الزمخشري : { والحق أقول } : أي ولا أقول إلا الحق على حكاية لفظ المقسم به ، ومعناه التوكيد والتسديد ، وهذا الوجه جائز في المنصوب والمرفوع ، وهو وجه دقيق حسن . انتهى .

وملخصه أنه أعمل القول في لفظ المقسم به على سبيل الحكاية نصباً أو رفعاً أو جراً .

وقرأ مجاهد ، والأعمش : بخلاف عنهما ؛ وأبان بن تغلب ، وطلحة في رواية ، وحمزة ، وعاصم عن المفضل ، وخلف ، والعبسي : برفع فالحق ونصب والحق ، وتقدم إعرابهما .