{ لا أعبد ما تعبدون } هذا إخبار أنه لا يعبد أصنامهم ، فإن قيل : لم كرر هذا المعنى بقوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } ؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما : قاله الزمخشري : وهو أن قوله لا أعبد ما تعبدون يريد في الزمان المستقبل ، وقوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } يريد به فيما مضى ، أي : ما كنت قط عابدا ما عبدتم فيما سلف ، فكيف تطلبون ذلك مني الآن .
الثاني : قاله ابن عطية وهو أن قوله : { لا أعبد ما تعبدون } لما كان يحتمل أن يراد به زمان الحال خاصة قال : { ولا أنا عابد ما عبدتم } أي : أبدا ما عشت ؛ لأن " لا " النافية إذا دخلت على الفعل المضارع خلصته للاستقبال بقوله : { لا أعبد } " لا " يحتمل أن يراد به الحال ، ويحتمل عندي أن يكون قوله : { لا أعبد ما تعبدون } يراد به في المستقبل على حسب ما تقتضيه " لا " من الاستقبال ، ويكون قوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } يريد به في الحال ، فيحصل من المجموع نفي عبادته للأصنام في الحال والاستقبال ، ومعنى الحال في قوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } أظهر من معنى المضي الذي قاله الزمخشري ، ومن معنى الاستقبال ، فإن قولك : ما زيد بقائم بنفي الجملة الاسمية يقتضي الحال .
ولما كان القصد إعلامهم بالبراءة منهم من كل وجه ، وأنه لا يبالي بهم بوجه ؛ لأنه محفوظ منهم ، قال مؤذناً بصدق خبره تعالى آخر الكوثر من حيث إنه مع الجزم بالمنابذة لا يستطيعون له نوع مكابدة نافذة ، بادئاً بالبراءة من جهته ؛ لأنها الأهم : { لا أعبد } أي الآن ، ولا في مستقبل الزمان ؛ لأن { لا } للمستقبل ، و { ما } للحال ، كذا قالوا ، وظاهر عبارة سيبويه في قوله : { لن } نفي لقوله { سيفعل } ، { ولا } لقوله : { يفعل } ، ولم يقع : أنها تقع للمضارع الذي لم يقع سواء كان في غاية القرب من الحال أم لا ، كما نقلته عنه في أول البقرة عند{ ولن تفعلوا }[ البقرة : 24 ] على أن نطقنا بهذا الكلام لا يكاد يتحقق حتى يمضي زمن فيصير مستقبلاً ، فلذا عبر ب " لا " دون " ما " بشارة بأنه سبحانه يثبته على الصراط المستقيم ، ولا يظفرهم به ، علماً من أعلام النبوة .
ولما كان في معبوداتهم ما لا يعقل ، وكان المقصود تحقير كل ما عبدوه سوى الله ، عبر ب " ما " فقال : { ما تعبدون * } أي الآن ، وفي آتي الزمان من دون الله من المعبودات الظاهرة والباطنة بوجه من وجوه العبادة في سر ولا علن ؛ لأنه لا يصلح للعبادة بوجه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.