قوله تعالى : " أمرا من عندنا " قال النقاش : الأمر هو القرآن أنزله الله من عنده . وقال ابن عيسى : هو ما قضاه الله في الليلة المباركة من أحوال عباده . وهو مصدر في موضع الحال .
وكذلك " رحمة ربك " وهما عند الأخفش حالان ، تقديرهما : أنزلناه آمرين به وراحمين . المبرد : " أمرا " في موضع المصدر ، والتقدير : أنزلناه إنزالا . الفراء والزجاج : " أمرا " نصب ن " يفرق " ، مثل قولك " يفرق فرقا " فأمر بمعنى فرق فهو مصدر ، مثل قولك : يضرب ضربا . وقيل : " يفرق " يدل على يؤمر ، فهو مصدر عمل فيه ما قبله . " إنا كنا مرسلين . رحمة من ربك " قال الفراء " رحمة " مفعول ب " مرسلين " . والرحمة النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الزجاج : " رحمة " مفعول من أجله ، أي أرسلناه للرحمة . وقيل : هي بدل من قول . " أمرا " وقيل : هي مصدر . الزمخشري : " أمرا " نصب على الاختصاص ، جعل كل أمر جزلا فخما بأن وصفه بالحكيم ، ثم زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال : أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا ، كائنا من لدنا ، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا . وفي قراءة زيد بن علي " أمر من عندنا " على هو أمر ، وهي تنصر انتصابه على الاختصاص . وقرأ الحسن " رحمة " على تلك هي رحمة ، وهي تنصر انتصابها بأنه مفعول له .
ولما كان هذا مفهماً لأمور لا حصر لها ، بين أنه لا كلفة عليه سبحانه فيه ، ولا تجدد عنده في وقت من الأوقات لشيء لم يكن قبل إلا تعليق القدرة المقدرة على وفق الإرادة ، فقال مؤكداً {[57257]}لفخامة ما{[57258]} تضمنه وصفه بأنه حكيم : { أمراً } أي حال كون هذا كله مع انتشاره وعدم انحصاره أمراً عظيماً جداً واحداً لا تعدد فيه{[57259]} دبرناه في الأزل وقررناه وأتقناه واخترناه ليوجد في {[57260]}أوقاته بتقدير ، ويبرز{[57261]} على ما له من الإحكام في أحيانه في{[57262]} أقل [ من-{[57263]} ] لمح البصر ، ودل على أنه ليس مستغرقاً لما تحت قدرته سبحانه بإثبات الجار فقال : { من عندنا } أي من العاديات والخوارق وما وراءها .
ولما بين [ حال-{[57264]} ] الفرقان الذي من جملته الإنذار ، علله بقوله مؤكداً لما لهم من الإنكار : { إنا } أي بما لنا من أوصاف الكمال وكمال العظمة { كنا } أي أزلاً وأبداً { مرسلين * } أي لنا صفة الإرسال بالقدرة عليها في [ كل-{[57265]} ] حين والإرسال لمصالح العباد ، لا بد فيه من الفرقان بالبشارة والنذارة وغيرهما حتى لا يكون لبس ، فلا يكون لأحد على الله حجة {[57266]}بعد الرسل{[57267]} ، وهذا الكلام المنتظم والقول الملتحم بعضه{[57268]} ببعض ، المتراصف{[57269]} أجمل رصف في وصف ليلة الإنزال دال على أنه لم تنزل{[57270]} صحيفة ولا كتاب{[57271]} إلا في هذه الليلة ، فيدل على أنها ليلة القدر للأحاديث الواردة في أن الكتب كلها نزلت فيها كما بينته في كتابي " مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور " وكذا قوله في سورة القدر { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } فإن الوحي الذي [ هو-{[57272]} ] مجمع ذلك هو روح الأمور الحكيمة{[57273]} ،
قوله : { أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين } { أمرا } ، منصوب على المصدر . وقيل : منصوب على الحال . وقيل : منصوب بفعل مقدر ، أي أعني أمرا . والمراد بالأمر القرآن فقد أنزله الله من عنده . وقيل : الأمر ما قضاه الله في الليلة المباركة من أحوال عباده { إنا كنا مرسلين } أي من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.