الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَمۡرٗا مِّنۡ عِندِنَآۚ إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ} (5)

قوله : { أَمْراً } : فيه اثنا عشر وجهاً ، أحدُها : أَنْ ينتصِبَ حالاً مِنْ فاعل " أَنْزَلْناه " . الثاني : أنه حالٌ مِنْ مفعولِه أي : أنزلناه آمِرِيْن ، أو مَأْموراً به . الثالث : أَنْ يكونَ مفعولاً له ، وناصبُه : إمَّا " أَنْزَلْناه " وإمَّا " مُنْذرِين " وإمَّا " يُفْرَقُ " . الرابع : أنه مصدرٌ مِنْ معنى يُفْرَق أي : فَرْقاً . الخامس : أنه مصدرٌ ل " أَمَرْنا " محذوفاً . السادس : أَنْ يكونَ " يُفْرَقُ " بمعنى يَأْمُر . والفرقُ بين هذا وما تقدَّم : أنَّك رَدَدْتَ في هذا بالعاملِ إلى المصدرِ وفيما تقدَّم بالعكس . السابع : أنَّه حالٌ مِنْ " كُلُّ " . الثامن : أنه حالٌ مِنْ " أَمْرٍ " وجاز ذلك لأنه وُصِفَ . إلاَّ أنَّ فيه شيئين : مجيءَ الحالِ من المضاف إليه في غيرِ المواضع المذكورة . والثاني : أنها مؤكدةٌ . التاسع : أنه مصدرٌ ل " أَنْزَل " أي : إنَّا أَنْزَلْناه إنزالاً ، قاله الأخفش . العاشر : أنَّه مصدرٌ ، لكن بتأويل العاملِ فيه إلى معناه أي : أَمَرْنا به أَمْراً بسببِ الإِنزال ، كما قالوا ذلك في وَجْهي فيها يُفْرَقُ فَرْقاً أو يَنْزِل إنزالاً . الحادي عشر : أنه منصوبٌ على الاختصاص ، قاله الزمخشري ، ولا يَعْني بذلك الاختصاصَ الاصطلاحيَّ فإنه لا يكون نكرةً . الثاني عشر : أَنْ يكونَ حالاً من الضميرِ في " حكيم " . الثالث عشر : أَنْ ينتصِبَ مفعولاً به ب " مُنْذِرين " كقولِه :

{ لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً } [ الكهف : 2 ] ويكونُ المفعولُ الأول محذوفاً أي : مُنْذِرين الناسَ أمراً . والحاصلُ أنَّ انتصابَه يَرْجِعُ إلى أربعة أشياء : المفعولِ به ، والمفعولِ له ، والمصدريةِ ، والحاليةِ ، وإنما التكثيرُ بحَسبِ المحالِّ ، وقد عَرَفْتَها بما قَدَّمْتُه لك .

وقرأ زيد بن علي " أَمْرٌ " بالرفع . قال الزمخشري : " وهي تُقَوِّي النصبَ على الاختصاصِ " .

قوله : " مِنْ عِنْدِنا " يجوز أَنْ يتعلَّق ب " يُفْرَقُ " أي : مِنْ جهتِنا ، وهي لابتداءِ الغاية مجازاً . ويجوز أَنْ يكونَ صفةً ل أَمْراً .

قوله : { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } جوابٌ ثالثٌ أو مستأنفٌ ، أو بدلٌ من قوله : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } .